زياد ضاهر

ملامح العالم الجديد

22 نيسان 2020

04 : 30

خلال ثلاثة أشهر من عمر "جائحة كورونا"، دولياً، سجل اجتماع لحلف الناتو "NATO" وآخر افتراضي لمجموعة العشرين "G20" ولم نرَ اي تحرك فعّال للأمم المتحدة خاصة "مجلس الأمن"!

ينشغل حلف الناتو بتأمين الامدادات الطبية للدول الأعضاء والشركاء بالرغم من عدم وجود مخزون خاص به، في الأساس حلف الناتو منظمة عسكرية سياسية تعنى بالردع والدفاع. احد تداعيات الوباء أن تقع منظمة كحلف الناتو تحت اختبار لمرونته ولادارته للأزمات أمام طلبات الدول الأعضاء، وهذا حال كافة التشكيلات الدولية والاتحادات.

قررت مجموعة العشرين "G20" ضخ 5 تريليون دولار في الاقتصاد العالمي للحد من الآثار الاقتصادية لجائحة فيروس كورونا خلال اجتماع افتراضي دعت اليه السعودية كونها تشغل مركز رئاسة المجموعة للعام 2020، الا انها لم تحدد الخطوات العملية وآليات التعاون. عقد الاجتماع بالرغم من وجود خلاف "صيني-أميركي" حول منشأ الفايروس، وخلاف "روسي-سعودي" حول سعر النفط.

تسيطر حالة من "التباعد الدولي" بين القوى الدولية في الوقت الذي يحتاج هذا العالم للتعاون بين الدول وتوحيد الجهود لمواجهة الأزمة وتبعاتها الصحية والاقتصادية حيث تشير تقديرات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الى انخفاض النمو العالمي من 2.9% الى 1.5%، وستدخل التجارة الدولية حالة من الكساد حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يسفر هذا الواقع عن ركود عالمي. وستعاني الحكومات من مواجهة البطالة القادمة التي أشارت بعض التقديرات الدولية الى ان تلامس الـ 200 مليون وظيفة. اضافة الى انخفاض العائدات الضريبية نظراً لتعطل التجارة الدولية بسبب الحظر الذي فرضته معظم دول العالم على حركة التنقل بحراً وبراً وجواً.


استشرافاً للمرحلة المقبلة وانطلاقاً من واقع "التباعد الدولي" الذي فرضه انتشار الوباء وضعف المبادرات الدولية التشاركية لمواجهة كورونا نطرح السؤال حول مستقبل العلاقات الدولية، هل يتجه العالم نحو مزيد من "عزلة الدول"؟ أم ان "التعاون الدولي" سيتجه الى مزيد من التفعيل؟

ان احتمال توجه العالم نحو سياسات انعزالية تدفع الدول للاهتمام بشؤونها الداخلية والوطنية منفردة هو احتمال ضعيف أمام عجز الدول عن ايجاد حل نهائي لجائحة كورونا وهذا اكبر دليل على فشل هذا الاتجاه. ولعل ما قاله الأمين العام للناتو "ينس ستولتنبرغ" خلال اجتماع حلف الناتو يلخص الموقف: "إن أزمة "Covid-19" أكبر من أن تواجهها دولة أو منظمة بمفردها"، ويُسقط احتمال الانعزالية ويمثل التحديات التي تنتظر المجتمع الدولي من دول وحكومات وقيادات عالمية ومنظمات دولية يعوَّل عليها القيام بما يخدم الاهداف التي أنشئت من أجلها. لكن الشعوب ستعزل القوى السياسية الحاكمة التي قصرت في تحصين امنها الصحي وسنشهد تغييرات كبرى في الدول الديموقراطية.

الاحتمال الثاني، المزيد من التعاون الدولي لمواجهة الوباء وتداعياته يتطلب من القيادات الدولية والحكومات المزيد من المسؤولية والاعتماد على العلم وجيش العلماء والمختبرات لا على الصراعات الايديولوجية ولا الخطابات الشعبوية. هذا الاتجاه سيفرض سياسات دولية تدخلية تتناول الاجراءات التي تتخذها الدول داخل حدودها والمعايير الصحية المطبقة فيها وقياس مدى فعاليتها في مواجهة موجة جديدة من الوباء مستقبلاً.

ولطالما شغلت العلاقات الدولية مسألة "سيادة الدول" وتعارضها مع السياسات الدولية التدخلية التي تعتبر خرقاً لبنود الميثاق الدولي للأمم المتحده الذي منع ذلك. ومع تفاقم المشكلات الدولية وتهديدات الاستقرار والأمن الدوليين أصبح التعاون لمواجهتها يشكل مصلحة مشتركة في ظل عجز الدول منفردة عن المواجهة.

لعل الأزمة الدولية التي تمر بها الانسانية جمعاء يمكن أن تتحول الى "فرصة" بالرغم من كل المآسي التي يعاني منها ضحايا هذا الوباء. التعاون الدولي يفرض اعادة طرح اصلاح هيكلي للأمم المتحدة وأجهزتها خاصة "مجلس الأمن" الغائب الأكبر الى الآن والمكلف أساساً بحفظ السلم والأمن الدوليين، صمت يصم الآذان لأبرز هيئة من هيئات الأمم المتحدة التي يعتبرها البعض "الحكومة العالمية". التعاون الدولي يفرض اعادة النظر بصيغة الأعضاء الدائمين والموقتين في مجلس الأمن. فزيادة عدد الأعضاء اصبحت أكثر من ضرورة خاصة أن المتغيرات الدولية تخطت نتائج الحرب العالمية الثانية وتغيرت موازين القوى وقدرات الدول، فكم من دولة ليست واحدة من الخمس الدائمين تتمتع بقدرات اقتصادية وبشرية وبفعالية دورها على المسرح الدولي تتجاوز بها قدرات بعض من الاعضاء الخمسة مثل البرازيل والمانيا واليابان وكذلك الهند.

بالرغم من فداحة الأضرار التي سببتها جائحة كورونا الا أننا أمام ملامح جديدة لعالم جديد، حيث سنشهد تغييرات جذرية لقوى سياسية وصلت للحكم عبر الاقتراع العام وستحاسبها شعوبها وتستبدلها بقوى جديدة تضمن لها أمناً صحياً مستداماً. ولا شك أن توازن القوى الدولي لن يبقى على ما ألفناه منذ انهيار الإتحاد السوفياتي الى اليوم، ربما نشهد ولادة قوى جديدة وتحالفات تضع حداً للوباء. التغير الاستراتيجي ان حصل يتمثل بدور "المنتصرين" على فايروس كورونا سيكون لهم الدور الأبرز في تشكيل المشهد الدولي المقبل. ان كان "التباعد الاجتماعي" سبيلاً لمواجهة الجائحة، فـ"التباعد الدولي" لن يكون مصيراً محتوماً على مستوى العلاقات الدولية.


MISS 3