جاد حداد

Inside Man... ذكاء الشخصيات يُنقذ العمل

31 تموز 2023

02 : 00

ماذا يحصل حين يقع أشخاص عاديون في فخ النشاطات الإجرامية الاستثنائية؟ هذه الفكرة سيطرت على الأعمال التلفزيونية الناجحة في السنوات الأخيرة، بدءاً من Happy Valley (الوادي السعيد) لسالي وينرايت، وصولاً إلى Fargo لنواه هاولي. في هذه القصص، يصبح أشخاص عاديون (ليسوا أشراراً ولا صالحين) عالقين في دوامة من القرارات السيئة. إنها الفكرة التي ينطلق منها ستيفن موفات في مسلسل التشويق Inside Man (الرجل الداخلي) المؤلف من أربعة أجزاء.

بطل القصة هو «جيفرسون غريف» (ستانلي توتشي)، أستاذ سابق في علم الجريمة أصبح الآن محكوماً بالإعدام بتهمة قتل زوجته. هو مسجون في عمق الجنوب الأميركي القاحل، حيث يتخذ موقفاً فلسفياً من موته الوشيك. حين يسألونه عن رغبته في الموت شنقاً، يجيب بأسلوب لامبالٍ فيقول: «لا أريد أن يعدموني، ولم تكن زوجتي تريد أن تُقتَل أيضاً». لكن عندما يمتنع هذا الرجل عن قول أفكار فلسفية حكيمة حول عقوبة الإعدام، هو يستلم قضايا «ذات قيمة أخلاقية» ويجعل نفسه «تحرياً محكوماً بالموت». تشبه أجواء العمل قصص «شرلوك هولمز»، ولو أن الأحداث لا تدور هذه المرة في قصر بل داخل سجن عقلي. حتى أن بطل القصة يتعامل مع نسخته الخاصة من الدكتور «واطسون»: إنه «ديلون» (أتكينز إيستيموند)، قاتل متسلسل ضخم ومرح يستطيع تذكّر الصور بدقة. يجسّد ديفيد تينانت شخصية القس «هاري»، بينما تلعب دولي ويلز دور معلّمة الرياضيات «جانيس». يؤدي سوء تفاهم بسبب جهاز «يو إس بي» شائك إلى تداخل حياتهما ومصيرهما، ثم يتورط «غريف» أيضاً في هذه القضية بسبب الصحافية الاستقصائية «بيث» (ليديا ويست التي شاركت سابقاً في مسلسل It’s a Sin (إنها خطيئة) لكنها تجد صعوبة في تقديم شخصيتها هذه المرة). لا يمكن الإفصاح عن تفاصيل إضافية حفاظاً على متعة المشاهدة.

دائماً ما يقدّم ستانلي توتشي الشخصية نفسها، سواء كان مصمم أزياء، أو مراقباً في المطار، أو رئيس طهاة إيطالياً. ينطبق ذلك على تينانت أيضاً، ولو بدرجة معينة. سواء كانت الشخصيات سيئة أو طيبة، يتكل هذان الممثلان على فائض الكاريزما الطبيعية التي يتمتعان بها. في أحد المشاهد، يقول القس الجذاب الذي يؤدي دوره تينانت: «الله يحب الملحدين»! حين تتلاحق الأفكار الخاطئة، تحافظ الأجواء العامة على جو مرح. تتسم أعمال موفات، بما في ذلك فيلم Dracula في العام 2020، بأجواء القصص الخيالية التي تستهدف الكبار. هي حيوية بما يكفي لتدوير زوايا المواضيع الشائكة التي تشمل هذه المرة الاعتداء الجنسي، والبيدوفيليا، والانتحار. لكن رغم هذه الأجواء القاتمة، تبقى مشاهدة العمل ممتعة.

يُعتبر سجل موفات متواضعاً بشكل عام، ولا يختلف هذا المسلسل عن معظم أعماله. كان مسلسلا Happy Valley و Fargo يرتكزان على حدث يخرج عن السيطرة ويترافق مع تعاطف مرعب. في المقابل، يبدو السيناريو المحوري في هذا المسلسل مفتعلاً وغير مُرضٍ. يطلق «غريف» أحكامه على ما يحصل قائلاً: «الجميع قاتل. يكفي أن يملك الفرد سبباً وجيهاً ويمرّ بيوم سيئ». إنها فكرة دقيقة، لكنها لا تبرر الكذب حين تغيب الأسباب التي تفسّر عدم قول الحقيقة. قد تكون نزعة الأشخاص العاديين إلى اتخاذ قرارات سيئة مادة مناسبة للأعمال التلفزيونية المثيرة، لكن ماذا عن الأغبياء الذين يتخذون قرارات غير منطقية؟ لن يكون الأثر مشابهاً.

في النهاية، يبقى المسلسل مناسباً لكل من يحب هذا النوع من القصص بفضل الأداء التمثيلي المتقن والشخصيات الذكية، ويمكن الاستمتاع به في إحدى أمسيات الأسبوع. لكن يجب ألا يتوقع أحد أي عمق أخلاقي أو حبكات مميزة كتلك التي تشملها أعمال أخرى محورها ارتكاب الأخطاء المتواصلة.


MISS 3