النشاط الدماغي في الطفولة يُحدد مستوى الذكاء لاحقاً

02 : 00

يبدو أن نشاط دماغ الطفل في أوقات الراحة قد يشير إلى ذكائه الناشط في مراحل لاحقة من حياته.

تابع باحثون من الولايات المتحدة وألمانيا استكشاف نتائج دراسة سابقة في رومانيا، فأثبتوا للمرة الأولى طريقة تأثير تربية الطفل على قوة دماغه مستقبلاً. كانت تلك الدراسة الشهيرة تحمل اسم «مشروع بوخارست للتدخل المبكر»، وقد بدأت في بداية الألفية الثالثة وتعقبت التطور المعرفي لدى أطفال متروكين في رومانيا.

قارن الباحثون القدرات المعرفية لدى أولاد يكبرون في عائلات بديلة أو دور أيتام وأولاد يكبرون في منازلهم، فاكتشفوا أن المجموعة الأولى تحمل مستوى ذكاء أقل نسبياً في عمر الثامنة عشرة. وفي البحث الجديد، رصد العلماء رابطاً بين أنماط الموجات الدماغية ومستوى الذكاء في البيانات نفسها.

يكتب الباحثون في تقريرهم: «تكشف هذه النتائج أن التغيرات المفتعلة في النشاط الدماغي في مرحلة مبكرة من الحياة تؤثر بشدة على التطور المعرفي على المدى الطويل، ما يشدد على أهمية التدخل المبكر لتعزيز النمو الصحي وسط الأولاد المقيمين في بيئات غير مناسبة».

اليوم، يقال إن سلوك الدماغ في أوقات الراحة يبقى مستقراً نسبياً في سن الرشد، حتى لو كانت قوة الدماغ الناشط تتقلب مع التقدم في السن. لكن لا يعرف العلماء بعد كيف تطور هذا النشاط المستقر في أوقات الراحة خلال أولى مراحل الحياة.

حين يبلغ الطفل العادي 10 سنوات، تتراجع الموجات الدماغية منخفضة التردد أو البطيئة مقابل زيادة الموجات الدماغية عالية التردد أو السريعة.

تميل الموجات البطيئة في أوقات الراحة إلى الالتصاق بروابط عصبية غير ضرورية، ما يزيد فاعلية الدماغ عند أداء المهام العقلية. إنها خطوة محورية لتحسين تطور الطفل المعرفي. لكن قد تعطي هذه العملية نتائج سلبية حين تصبح مفرطة أو تمتد لفترة مبالغ فيها.

إذا لم يتلقَ الطفل في صغره ما يكفي من الدعم العاطفي أو التحفيز المعرفي، قد يتأثر نموه العصبي والمعرفي بسبب اختلال عملية التقليم العصبي. تدعم الدراسة الأخيرة، بقيادة باحثين من جامعة «ميريلاند»، هذه الفكرة.

يكشف تقييم لمستوى ذكاء شبان في الثامنة عشرة من عمرهم (بلغ عددهم 202)، كانوا قد شاركوا في دراسة «بوخارست»، أن من يسجلون أدنى العلامات كانوا يحملون أبطأ نشاط للموجات الدماغية بين عمر السنة والثلاث سنوات. تعني هذه النتائج أن النشاط بطيء الموجة في دماغ الطفل خلال أوقات الراحة قد يتأثر بتجربة النشوء في دار أيتام ومدة الرعاية التي يتلقاها.

يعتبر الباحثون ذلك «الرابط اللافت» الذي رصدوه مبهراً، نظراً إلى طول المدة الفاصلة بين القياسات وعدد العوامل الشخصية والبيئية التي تؤثر على النمو المعرفي في أولى مراحل الحياة.

تكشف دراسات سابقة أيضاً أن موجات الدماغ الأكثر بطئاً تكون حساسة بشكلٍ خاص تجاه العوامل البيئية، مثل الفقر أو الحرمان الاجتماعي والثقافي. لكنه أول بحث يربط بين تباطؤ الموجات الدماغية خلال الطفولة والتداعيات المعرفية طويلة الأمد في بداية سن الرشد.

تبرز الحاجة إلى إجراء دراسات أخرى على مجموعات أكبر حجماً للتأكد من هذا الرابط، ويجب أن يستكشف العلماء احتمال أن تُحدث الموجات الدماغية البطيئة تغيرات معرفية عملية على المدى الطويل.

لا يزال الوقت مبكراً على إطلاق استنتاجات جازمة، لكن يأمل علماء الأعصاب يوماً في أن تساعدنا الموجات الدماغية في فترة الطفولة على «تحديد الأولاد الأكثر عرضة لسوء النمو المعرفي سريعاً وتسهيل توقّع المقاربات الأولية التي تساعد من يواجهون مصاعب تعليمية لتحسين نتائجهم في مراحل لاحقة من حياتهم».

نُشرت نتائج الدراسة في مجلة «علم الأعصاب المعرفي التطوري».


MISS 3