رفيق خوري

موعد في أيلول: ممانعة وممانعة مضادة

2 آب 2023

02 : 00

شهر آب في لبنان محذوف من مفكرة "الخماسية" العربية والدولية التي «تجندت» للمساعدة على إنهاء الشغور الرئاسي. والشهور التي سبقتها منذ تشرين الثاني 2022 كانت في المفكرة اللبنانية وقتاً ضائعاً وحارساً للفراغ، واسط أكبر قدر مما ينطبق عليه عنوان رواية «الصخب والغضب» للروائي الأميركي وليم فوكنر. ونحن اليوم على موعد في أيلول ضربه لنا الموفد الرئاسي جان إيف لودريان لتكرار التجارب على المواد نفسها، وسط الإيحاء أن هذه هي «الفرصة الأخيرة» للتفاهم على برنامج ورئيس جمهورية. لكن مسلسل الأزمات والحروب والصراعات في لبنان أكد بالملموس أنه ليس هناك شيء اسمه فرصة أخيرة بالنسبة الى التركيبة السياسية البارعة في تضييع الفرص، كما الى اللاعبين الإقليميين والدوليين الذين يمارسون خلق الفرص والصبر على غرور اللاعبين المحليين وعنادهم ولامبالاتهم بما تعانيه الناس.

ذلك أن سد الطريق على إنتخاب رئيس ليس نوعاً من الخطأ في الحسابات بل دقة وشطارة في حسابات غير عادية لدى طرف قوي وتتعلق بمصير الجمهورية. فالكلام على «لبننة» الإستحقاق الرئاسي بقي في الهواء. والرهان على دور خارجي، كالعادة، اصطدم بأن الخارج يريد هذه المرة أن يدير «اللبننة» ولو من باب الإخراج المسرحي، لأنه غير راغب في تحمل المسؤولية عن أي رئيس. مأزق مملوء بالمفارقات في البحث عن مخرج منه. فالطرف المرتبط عضوياً وعلناً بقوة إقليمية يقول أنه ضد التدخل الخارجي. لكنه راهن على التدخل الفرنسي عندما إنحازت باريس الى خياره. وحين اصطدمت فرنسا بالرفض المحلي والخارجي وتراجعت، ظهر نوع من الرهان على دور روسي. اما رهانه الفعلي، فإنه على موقع ايران القوي والتصرف كأن الجمهورية الإسلامية قوة محلية في لبنان، كما على إغلاق الطريق الدستوري للإنتخاب في البرلمان بقوة السلاح والإمساك الكامل بطائفة مهمة.

غير أن العامل الجديد الذي واجه الطرف القوي ضمن «الثنائي الشيعي» ومحور «الممانعة» هو قيام محور «الممانعة المضادة» الذي يضم القوى الأساسية المسيحية والدرزية والنخبة السنية. وما يراهن عليه المحور الأول المتماسك والممسوك والمتحكم بالسلطة هو تفكيك المحور الثاني الواقف عند مستوى «التقاطع» على أمل تجاوزه الى التفاهم السياسي ضمن الإطار الوطني. والوقت حان للإعتراف بأن «التعادل السلبي» وصفة لفراغ طويل لا أحد يعرف متى ينتهي، لكن المخيف أن ينتهي لمصلحة من يريد وراثة الجمهورية، لا مجرد الهيمنة على الرئاسة. فالفشل الفرنسي هو عملياً فشل لبناني لأن الكلفة على لبنان. والمشكلة ليست في الصيغة اللبنانية، على علاتها، بل في إدارة الصيغة بوسائل غير ديمقراطية واللعب بالعصبيات. حتى التركيز المحلي والعربي والدولي على التمسك بإتفاق الطائف وتطبيقه، فإنه يبقى شعاراً ما دام الدستور معلقاً بالقوة.

أليس التحقيق في إنفجار المرفأ الذي تمر ذكراه الثالثة لا يزال معلقاً بالقوة لأن كشف الحقيقة في أكبر جريمة ممنوع؟ أليست المافيا السياسية والمالية والميليشيوية متفقة على منع المحاسبة في السطو على المال العام والخاص وترك «فجوة» تبلغ 72 مليار دولار في حسابات البنك المركزي، وسط كل الخلاف الوطني والسياسي والأزمات القاتلة؟

كان جورج كليمنصو يقول: «الحرب سلسلة كوارث تقدم نصراً». لكن سلسلة الكوارث في لبنان تقود الى كارثة أكبر.


MISS 3