وليد شقير

على طريق العقوبات ومزيد من التدويل

4 آب 2023

02 : 05

يسير لبنان على قدميه نحو مزيد من التدويل لأزمته رغم صراخ قادة القوى السياسية كافة ومنهم المعارضون السياديون، داعين إلى توافق اللبنانيين من دون انتظار الخارج، ورفض قوى الممانعة «الإملاءات والضغوط الخارجية» في شأن ملء الفراغ الرئاسي.

يكفي النظر إلى أحداث الأيام القليلة الماضية من أجل التيقّن من هذا الاستنتاج: الانفجار الأمني في مخيم عين الحلوة مع أبعاده الإقليمية، التخبّط في معالجة فقدان السيولة في الخزينة لتمويل رواتب القطاع العام ودعم بعض الأدوية وتأمين المحروقات، غلبة المناورات الدونكيشوتية حيال إلحاح المجتمع الدولي على الإصلاحات البنيوية، مع استمرار مقاومة تنفيذ تلك الإصلاحات رغم كل المناورات بالسعي لتنفيذها، في وقت القرار الضمني لـ»الثنائي الشيعي» هو رفض إنجاز الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ومزيد من إقحام لبنان في صراعات المنطقة، سواء عبر حدوده الجنوبية أو عبر عودة «حزب الله» إلى التعرّض لدول الخليج، إذ استخدم أمينه العام السيد حسن نصر الله، بعد انقطاع، لغة عدائية لهذه الدول في حديثه عن اليمن والبحرين وسوريا في خطابه لمناسبة إحياء ذكرى عاشوراء الجمعة الماضي.

تسبق هذه الوقائع وغيرها، بأسابيع قليلة، استحقاقات على لبنان التعاطي معها:

- اجتماع مجلس الأمن قبل نهاية الشهر الجاري للتجديد لـ»اليونيفيل» سنة جديدة على وقع سعي لبنان إلى تعديل الفقرة التي وردت في قرار التجديد السنة الماضية التي تنصّ على حقّ قوات حفظ السلام بحرية التنقّل جنوب الليطاني من دون إذن مسبق وتنسيق مع الجيش اللبناني. وهي الفقرة التي أغضبت «حزب الله»، معتبراً أنّها تحوّل القوات الدولية قوات احتلال. الاجتماع ينعقد هذه السنة بعدما سجّلت الأمم المتحدة ظهور مسلحي «حزب الله» على الحدود في ظل التوتر الذي شهدته، بما يخالف القرار 1701 منع المظاهر المسلحة غير الشرعية في منطقة عملياتها، ما دفع البعثة الدبلوماسية الأميركية في مجلس الأمن، خلال الإحاطة التي قدّمتها المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا ومساعد الأمين العام لشؤون قوات حفظ السلام جان بيار لاكروا، في 20 تموز الماضي، إلى طرح فكرة قوامها: لماذا لا ندمج القرارين 1701 و1559 (ينصّ على نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية) ليجري النقاش في مجلس الأمن عليهما سوياً؟ الجهات الدولية الساعية إلى تجنّب نقاشات حامية في مجلس الأمن تراهن على الصياغة الفرنسية لمشروع قرار التمديد، لأن باريس تتولى عادة هذه المهمة، آخذة في الاعتبار الوضع اللبناني الحساس.

- حلول الذكرى الثالثة لمأساة تفجير المرفأ مع تصاعد الدعوات إلى لجنة تقصّي حقائق دولية إزاء استمرار عرقلة التحقيق العدلي اللبناني، والحؤول دون كشف خيوط هذه الكارثة التي ضربت لبنان في الصميم، وزادت من تدهور اقتصاده المنهك أصلاً. وهناك مزيد من الدول المستعدّة لتبني الفكرة. فمسألة عرقلة التحقيق تُطرح في المواقف الرسمية العلنية للدول كافة داعية إلى استئنافه، آخرها بيان الدول الخمس المعنية بإنهاء الشغور الرئاسي، لأنه أصل المشاكل الأخرى المتفرّعة عنه بفعل شلل المؤسسات الدستورية الذي يحول دون وضع الحلول على السكة.

- «طاولة العمل» التشاورية التي سيرعاها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان في أيلول، تسبق اجتماعاً محتملاً لـ»خماسية» باريس والدوحة، على هامش مشاركة وزراء خارجيتها في أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة في الأسبوع الأخير من شهر أيلول، لتقييم ما تكون حققته المداولات من نتائج عملية بما فيها الدعوة إلى جلسات نيابية متتالية ومفتوحة لانتخاب رئيس. و»الخماسية» كانت لوّحت في بيانها إثر اجتماعها في الدوحة في 17 تموز بـ»إجراءات ضدّ أولئك الذين يعرقلون إحراز تقدم في انتخاب رئيس».

ما جرى تأكيده من ممثلي الدول الخمس أنّ مناقشات الدوحة أفضت إلى «إجماع» على ما سمّاه البيان «خيارات محدّدة» بفرض عقوبات على معرقلي انتخاب الرئيس، فباتت هذه المرة «على الطاولة» بعد تردّد في المرحلة السابقة. وحتى الساعة هناك آليتان لذلك. الأولى هي «الأمر التنفيذي» الأميركي الرقم 13441 الصادر عام 2007 والذي يفرض عقوبات على «من يحدّد أنهم ارتكبوا أو ثمّة مخاطرة عالية بأن يرتكبوا أعمالاً، بما في ذلك أعمال عنف، ترمي أو تفضي إلى تقويض العمليات أو المؤسسات الديمقراطية في لبنان، مما يساهم في انهيار حكم القانون في البلاد». واستخدمت هذه الآلية ضدّ الأخوين تيدي وريمون رحمة، وقبلهما على المقاولين جهاد العرب وداني خوري والنائب جميل السيد. أما الآلية الثانية فهي التي أقرّها الاتحاد الأوروبي في 30 تموز 2021 وتستهدف الأشخاص والكيانات المسؤولة عن تقويض الديمقراطية أو سيادة القانون في لبنان، من خلال إعاقة أو تقويض العملية السياسية الديمقراطية من خلال الاستمرار في إعاقة تشكيل الحكومة أو عرقلة إجراء الانتخابات أو تقويضها بشكل خطير.

ثمّة محطات أخرى تقود إلى مزيد من التدويل، آتية.


MISS 3