جو حمورة

ميلوني... إمرأة خارج السرب الأوروبي

4 آب 2023

02 : 00

ميلوني تُصرّ على أهمية المحافظة على القيم العائلية والمسيحية (أ ف ب)

هموم الغرب بسيطة إن قيست بتلك الشرقية. لا فقر مدقع ولا حروب كثيرة، إنما اهتمامات مغايرة وأكثر عمومية. حقوق اللاجئين، التغيّر المناخي والمثلية الجنسية، هي أبرز ما تكترث له أوروبا في الوقت الحالي، ولرئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني آراء حول هذه المواضيع كلّها.

تبدو ميلوني كطائر يُغرّد خارج السرب الأوروبي. إمرأة توصف بـ»الحديدية» حيناً، وبـ»اليمينية الفاشية» أغلب الأحيان. لا تكترث جدياً لكل ما يُقال عنها، ولا يهمّها ما يُصوّره الإعلام «الليبرالي» عن سِماتها وأفكارها، وهي القادمة من أزقة روما الفقيرة، حيث عملت كنادلة مطعم، فنائبة ووزيرة للشباب وقائدة لحزب «إخوة إيطاليا» المحافِظ.

تُمثل ميلوني أرقاً لرئيس فرنسا إيمانويل ماكرون. أرقٌ يُزاد على ضمور الدور الفرنسي في أفريقيا وأوروبا الشرقية. قالت لـ»جارها» الفرنسي مرّة: «إن فرنسا تواصل استغلال أفريقيا وتشغّل الأطفال في المناجم، وتستحوذ على المواد الأولية مثلما يحدث في النيجر حيث تستخرج فرنسا 30 في المئة من مخزون اليورانيوم الذي تستعمله في مفاعلاتها... لا تقدم لنا الدروس يا ماكرون، لأن الأفارقة يهجرون قارتهم بسببكم وبسبب سياساتكم، والحل ليس تهجير الأفارقة نحو أوروبا، ولكن تحرير أفريقيا من بعض الأوروبّيين».

لا تستسيغ رئيسة الحكومة الإيطالية تلك السياسات المتسامحة جدّاً تجاه اللاجئين. أبواب أوروبا المشرّعة أمام الأفارقة والأوكران والشرق أوسطيين «تضرّ بأوروبا ولا تُفيد اللاجئ»، كما تقول. تصوّب على التراخي الأوروبي واتحاده، وعلى قبول «ما هبّ ودب» من ناس لا يحملون بحسبها «إلّا البطالة والجريمة»، وعلى «رجال راشدين تركوا بلادهم تحترق وعائلاتهم بدل الدفاع عنهم».

هذا الموقف المتشدّد، مع ما رافقه أخيراً من إقرار بعض القوانين في إيطاليا تحدّ من قبول اللاجئين، جعل من البلاد في آخر قائمة الدول الأوروبّية التي تضمّ لاجئين، فيما تربّعت كلّ من ألمانيا وفرنسا وإسبانيا والنمسا على رأس اللائحة.

أمّا في موضوع التغيّر المناخي، فتسير ميلوني وحكومتها عكس التيار الغربي العام، وتحديداً عكس التيار الليبرالي الذي يضع هذه القضية على رأس سلّم أولوياته. هي رأت في بيان مشترك مع الرئيس الأميركي جو بايدن في 27 تموز أنه «يجب العمل على محاربة الخطر على التغيّر المناخي»، لكنّها عادت في اليوم التالي وقالت إنّ «هؤلاء الناشطين البيئيين المتطرّفين يُريدون تدمير اقتصاد العالم بمطالبهم حول المناخ».

وكان وزير النقل الإيطالي ماتيو سالفيني وزميله وزير البيئة جيلبيرتو بيشيتو، أكثر صراحة وأقلّ اكتراثاً بكلّ سرديات الناشطين البيئيين حول التغيّر المناخي، معتبرين أن «هناك حرّاً، وهذا أمر طبيعي في الصيف. تماماً كما هناك برد في الشتاء. لا دخل للإنسان في التغيّر المناخي».

على عكس الدول الأوروبية الأخرى حيث تسير معظم الحكومات في مجال التخفيف من الانبعاثات الحرارية الناتجة عن التصنيع ووسائل النقل، تختلف سياسات ميلوني جذريّاً، حيث تقود حكومتها سياسات تحفيزية لرجال الأعمال والتصنيع الثقيل، من دون الاكتراث كثيراً لكلّ حملات الناشطين البيئيين وتظاهراتهم.

في موضوع المثلية الجنسية كذلك، يبرز تشدّد في الحفاظ على القيم العائلية عند رئيسة الحكومة الإيطالية. ترفع شعار «الله، الوطن والعائلة» وتصرّ على أهمية المحافظة على القيم العائلية والمسيحية، وترفض «بشكل قاطع» إعطاء أعضاء المجتمع المثلي أي حقوق بالزواج والتبنّي وغيرها مما يريدونه.

خلال خطاب لها نهاية العام 2022، أعلنت ما يشي بسياسة واضحة تجاه موضوع المثلية الجنسية حين قالت: «نعم للعائلات الطبيعية، ولا للحركات المثلية. نعم للهوية الجنسية، ولا للأيديولوجية الجندرية. نعم لثقافة الحياة، ولا لهواية الموت والإجهاض...».

تسير ميلوني خارج السرب الأوروبي وسلّم أولوياته الجدّ ليبرالي. تُشجّع على الوطنية والقيم العائلية وأهمية بناء اقتصاد منتج... أولويات مختلفة قد تجرّ على روما الكثير من العداوات، أو ربّما تُحوّلها إلى مثال ونموذج لحكومات أوروبية جديدة أقلّ تطرّفاً وليبرالية.


MISS 3