تشارلز ليستر

تطبيع العلاقات مع الأسد زاد مشاكل سوريا سوءاً

4 آب 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

الرئيس السوري بشار الأسد متوسطاً وفداً يُمثّل بعض الدول العربية في دمشق | سوريا، 26 شباط 2023

منذ ثلاثة أشهر، أطلقت المملكة العربية السعودية جهوداً إقليمية حثيثة لتطبيع العلاقات مع النظام السوري وضمّه مجدداً إلى أحضان الشرق الأوسط، أو حتى أماكن أخرى كما كانت تتمنى الرياض. في 18 نيسان، اجتمع وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان مع الرئيس السوري بشار الأسد في العاصمة السورية دمشق. وبعد مرور شهر واحد، في 19 أيار، احتضنت جامعة الدول العربية مجدداً واحداً من أشهر مجرمي الحرب في العالم للمرة الأولى منذ العام 2011. مرّت ثلاثة أشهر منذ أن مهّدت زيارة الوزير السعودي إلى دمشق لعودة الأسد إلى أحضان المنطقة العربية. وفي منتصف شهر آب، تُخطط الدول الإقليمية لتنظيم قمة أخرى لمناقشة التقدم الحاصل والخطوات اللاحقة. لكن يظن مسؤولون من ثلاث دول أساسية في المنطقة أن تلك القمة أصبحت الآن في مهب الريح لأن جميع المشاكل في سوريا زادت سوءاً منذ شهر نيسان.

وصول المساعدات

كان تطبيع العلاقات الإقليمية مع الأسد ينبثق في الأساس من رغبة كامنة في تجديد الاستقرار في سوريا. طوال أكثر من عشر سنوات، دعم المجتمع الدولي حملات تقديم مساعدات إنسانية بقيمة مليارات الدولارات إلى جميع مناطق سوريا لتلبية حاجات ملايين الناس. يعيش السكان الأكثر ضعفاً (4.5 ملايين نسمة) في زاوية صغيرة من شمال غرب سوريا، وتشهد هذه المنطقة أخطر أزمة إنسانية في العالم. في 11 تموز، صوّتت روسيا ضد تمديد آلية الأمم المتحدة القائمة منذ تسع سنوات لتأمين المساعدات العابرة للحدود إلى شمال غرب البلد، فانقطع بذلك حبل نجاة أساسي وغرقت المنطقة في حالة عميقة وغير مسبوقة من الاضطرابات.

بعد أيام على الفيتو الروسي، اقترح نظام الأسد تسهيل وصول المساعدات إلى المنطقة، لكنه أضاف مجموعة شروط جعلت تنفيذ ذلك العرض مستحيلاً. وحتى لو تحققت خطة النظام بطريقة ما، كان تدفق المساعدات ليشكّل جزءاً بسيطاً من الكميات التي تلقّتها المنطقة بموجب الترتيب السابق. طوال سنتين، سعى النظام إلى إعطاء الأولوية للمساعدات العابرة للحدود من دمشق، وتم إرسال 152 شاحنة في تلك الفترة. وخلال المرحلة نفسها، وصلت أكثر من 24 ألف شاحنة عبر الحدود. لكن لا وجود اليوم لأي آلية واضحة لإيصال المساعدات إلى شمال غرب سوريا ولا تُبذَل أي جهود جدية لتحقيق هذا الهدف. هكذا تلاشت الفكرة القائلة إن التواصل مع الأسد يُسهّل انتزاع التنازلات.

الكبتاغون

كانت تجارة الكبتاغون في سوريا جزءاً من المسائل التي تشغل السعودية والأردن: إنه نوع غير قانوني من الأمفيتامين الذي تنتجه شخصيات بارزة في نظام الأسد بكميات تجارية. بين العامين 2016 و2022، تمت مصادرة أكثر من مليار حبة كبتاغون سورية الصنع حول العالم، لا سيما في الخليج العربي. سعت الدول الإقليمية أثناء تواصلها مع النظام السوري إلى إقناع الأسد بوضع حدّ لتلك التجارة.

نظراً إلى دور النظام المحوري في هذه العمليات وهوامش أرباحه الهائلة، كان الوعد الذي قطعته دمشق على الحكومات الإقليمية في شهر أيار بوقف تجارة الكبتاغون مضحكاً في أفضل الأحوال. مع ذلك، رحّب الأردن للتو باثنين من أشهر الشخصيات الخاضعة لعقوبات دولية في النظام السوري (وزير الدفاع ورئيس المخابرات السورية) لمناقشة كيفية محاربة تهريب المخدرات، قبل أن يضطر البلد لإسقاط طائرة مسيّرة تحمل المخدرات من سوريا في اليوم التالي.

الأسوأ من ذلك هو أن السلطات الألمانية اكتشفت للتو منشأة تديرها سوريا لإنتاج الكبتاغون في جنوب ألمانيا، وفيها حبوب بقيمة 20 مليون دولار و2.5 طن من المواد الكيماوية السليفة.

اللاجئون

كانت دول المنطقة تأمل أيضاً في تسهيل عودة اللاجئين إلى سوريا بعد تجديد التواصل مع نظام الأسد. لكنّ المنطق الكامن وراء هذه الآمال الإقليمية غير مبرر. ترتبط معظم الأسباب التي تفسّر رفض اللاجئين السوريين العودة إلى بلدهم بحُكم النظام. تكشف استطلاعات رأي جديدة أجرتها الأمم المتحدة عن اللاجئين السوريين، بعد أيام على مشاركة الأسد في القمة العربية في جدّة، أن 1% فقط من السوريين يفكرون بالعودة في السنة المقبلة.

على صعيد آخر، يفضّل اللاجئون الآن الرحيل، فيذهبون في رحلات خطيرة نحو أوروبا بوتيرة متصاعدة: أصبح معدل هجرة السوريين نحو الشمال راهناً أعلى مما كان عليه في العام 2021 بنسبة 150% على الأقل. أمام هذا الواقع القاتم، بدأت الدول المضيفة تفرض سياسات لإجبار اللاجئين على الرحيل. لجأ الجيش اللبناني المموّل من الولايات المتحدة مثلاً إلى طرد اللاجئين بالقوة، وأعلن الأردن عن إنهاء الدعم المالي للاجئين السوريين قريباً.

إنهيار اقتصادي وتصاعد أعمال العنف

في آخر ثلاثة أشهر، انهار الاقتصاد السوري سريعاً وخسرت العملة السورية 77% من قيمتها. عندما زار وزير الخارجية السعودي دمشق في شهر نيسان، كانت الليرة السورية تساوي 7500 مقابل الدولار، لكنها تبلغ اليوم 13300.

بعد العودة إلى الحضن العربي والاستفادة من رفع العقوبات الأميركية والأوروبية غداة الزلزال الذي ضرب البلد في شباط الماضي، يُفترض ألا يكون اقتصاد نظام الأسد بالشكل الذي هو عليه اليوم. تتعلق المشكلة الحقيقية بالنظام بحد ذاته، فقد تبيّن أنه فاسد وغير كفوء ويحركه الجشع بدل المصلحة العامة. انهار الاقتصاد السوري نهائياً على الأرجح بسبب سوء الإدارة المالية وإعطاء الأولوية لتجارة المخدرات غير الشرعية.

فيما تتوق المنطقة إلى تجديد استقرار سوريا التي يحكمها نظام قوي لكن إصلاحي ومستعد لاستقبال اللاجئين، شهدت الأشهر الثلاثة الماضية وضعاً مختلفاً محوره التصعيد. قُتِل حوالى 150 شخصاً في محافظة درعا الجنوبية منذ نيسان، ما أدى إلى ترسيخ مكانة المنطقة كأكثر الأماكن اضطراباً منذ العام 2020.

الإرهاب


شكّل تطبيع العلاقات مع نظام الأسد ضربة موجعة ولا رجعة عنها للجهود الدولية التي حاولت التصدي لتنظيم «الدولة الإسلامية» طوال عقدٍ من الزمن. اتكلت الولايات المتحدة لسنوات على الغطاء الذي قدّمه شركاء إقليميون مثل الأردن والسعودية للحفاظ على انتشار عسكري أميركي حيوي في شمال شرق سوريا. لكن يعلن هؤلاء الشركاء اليوم دعمهم لتوسيع حُكم الأسد في أنحاء البلد، بما في ذلك انسحاب القوات الأجنبية.

كذلك، أدى تطبيع العلاقات مع الأسد إلى إضعاف نفوذ قوات سوريا الديمقراطية التي كانت جزءاً من شركاء واشنطن، فلم تعد قادرة على تحديد مصيرها أو التفاوض بشأنه على المدى الطويل. في المقابل، زادت قوة روسيا وإيران وتلاحقت التقارير التي تشير إلى خطط إيران الهجومية وانتهاكات روسيا اليومية لمبدأ عدم الاشتباك القديم بهدف زيادة التهديدات المطروحة على الطائرات الأميركية. تراجعت قدرة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة على التمسك بالأداة الفاعلة الوحيدة للتصدي «للدولة الإسلامية» في سوريا، لكن يبدو أن هذا التنظيم الإرهابي يستفيد مباشرةً من مكانة الأسد الجديدة أيضاً. حين كان الأسد يأخذ مقعده في الجامعة العربية في شهر أيار، كان التنظيم منشغلاً بتنفيذ أخطر عملياته في المناطق التي يسيطر عليها النظام في سوريا منذ العام 2018.

بين 1 نيسان و1 تموز، نفّذ التنظيم 61 هجوماً وقتل 159 شخصاً في وسط سوريا، ما يساوي 50% من مجموع الاعتداءات و90% من القتلى في العام 2022. استرجعت «الدولة الإسلامية» سيطرتها على مناطق مأهولة بالسكان (ولو مؤقتاً) في مناطق النظام، وهزمت هجوماً امتد على ستة أسابيع بين آذار ونيسان وأطلقته قوات النظام السوري بدعمٍ من سلاح الجو الروسي وعملاء إيران. في أواخر تموز، وسّع التنظيم نطاق تحركاته ووصل إلى دمشق، فقتل ستة أشخاص على الأقل وأصاب 23 آخرين في هجوم استهدف منطقة السيدة زينب الشيعية.

الأســد والــفــيــتــو الــدبــلــومــاســي

أخيراً، يبدو أن تطبيع العلاقات مع الأسد حطّم أي آمال متبقية بإطلاق جهود دبلوماسية فاعلة لحل الأزمة السورية، علماً أن جامعة الدول العربية اعتبرت تلك الخطوة «مشروطة»، بمعنى أنها تتوقف على انتزاع تنازلات من النظام. يقول مسؤولون بارزون في الأمم المتحدة (رفضوا الإفصاح عن أسمائهم كي يتمكنوا من مناقشة هذا النوع من المواضيع الحساسة) إن الأسد شخصياً أخبر قادة الأمم المتحدة في الأسابيع الأخيرة بأنه لا ينوي تجديد تواصله مع اللجنة الدستورية التي تديرها الأمم المتحدة ولا يريد المشاركة في أي مفاوضات تدريجية، حتى لو تولّت الأمم المتحدة أو الدول الإقليمية تنسيقها. ربما بدا احتمال التوصل إلى حل دبلوماسي للأزمة السورية قاتماً منذ ستة أشهر، لكنّ تجديد التواصل بين دول المنطقة والنظام منذ نيسان قضى على ذلك الاحتمال بالكامل. يُفترض أن يكون موقف النظام من المساعدات العابرة للحدود مؤشراً واضحاً على حجم القوة التي يشعر بها الأسد منذ عودته إلى الحضن العربي. وحتى إقناع الأسد بإصدار عفو بسيط عن السجناء كإثبات على حُسن نواياه لا يزال بعيد المنال.

يبدو المشهد العام قاتماً. تجاهل المعنيون سلسلة التحذيرات التي تنذر بعواقب وخيمة في حال تجديد التواصل مع الأسد، وقد أصبحت تلك العواقب واضحة للجميع اليوم. يكفي أن نعرف أن خطط دول المنطقة بتنظيم قمة أخرى أصبحت في مهب الريح في هذه المرحلة. سيكون اجتماع المسؤولين في ظل هذه التطورات الخطيرة مجرّد حماقة. بدأت سوريا تدخل الآن مرحلة قاتمة جداً من الاضطرابات، تزامناً مع انهيار الاقتصاد، وارتفاع مستويات العنف، وبلوغ التوتر الجيوسياسي ذروته، وتسمّم البيئة الدبلوماسية عموماً. يكمن الخطأ مجدداً في مجالات مختلفة، لكن سيتكبد السوريون كالعادة أكبر التكاليف.


MISS 3