رواد مسلم

مخاطر توسّع الحرب خارج حدود أوكرانيا ترتفع

12 آب 2023

02 : 00

ممرّ سوالكي يتمتّع بأهمية إستراتيجية كبيرة

لا شكّ أنّ الهجوم الأوكراني المضادّ أصبح متعثّراً لدرجة تحوّله إلى حرب استنزاف طويلة الأمد، وأصبح واضحاً أنّ استراتيجية الدفاع المرن الروسية قد نجحت بصدّ الجيش الأوكراني الذي لم يتمكّن من إحداث أي ثغرة في الخط الدفاعي الأوّل المحصّن بأعداد كبيرة من الحواجز الهندسية والخنادق وحواجز الدبابات، بعمق 30 كلم. فبالرغم من وصول مساعدات عسكرية قويّة من دول الناتو إلى أوكرانيا، إلّا أنّ الجيش الأوكراني لا يتمتّع بالقدرة الجوّية المتنقّلة التي تمكّنه من نقل العديد والعتاد عبر طوافات نقل إلى خلف الخط الدفاعي الأوّل، ولم تتمكّن الدبابات الغربية من تصديع الدفاعات الروسية، فضلاً عن عدم وجود قدرة الحماية الجوية للقوات الأرضية التي يمكن أن تؤمّنها مقاتلات «أف 16» التي ستحصل عليها أوكرانيا قريباً. لا يوجد أي معركة حاسمة على كامل الجبهة التي تبلغ 900 كلم، فالجمود الميداني والاستنزاف يطغى على وضع المعارك كافة، إلّا أنّ معركة القرم تعتبر الأقوى وتتمتّع أوكرانيا باليد العليا هناك، على عكس معركة كوبيانسك في خاركيف، حيث استطاع الجيش الروسي من التقدّم والسيطرة على منطقة شبكة مواصلات يُمكنه الاستفادة منها لقطع الإمدادات الأوكرانية. أمّا في الجبهة الشرقية، فالوضع أشبه بالجمود القتالي، حيث لا أحد من الطرفين يتغلّب على الطرف الثاني والاستنزاف سيّد الموقف.

هذا الجمود في الهجوم المضادّ أجبر الجيش الأوكراني على تغيير إستراتيجيته الهجومية، فقد ركّزت الجهود الأوكرانية السابقة بشكل أساسي على الأهداف العسكرية الروسية المتواجدة على الأراضي الأوكرانية المحتلّة منذ شباط 2022، ولكن يبدو أن القوات الأوكرانية تقوم الآن بتوسيع جهودها لتشمل أهدافاً بحرية كجزء من هذه الجهود التكتية، وضرب العمق الإستراتيجي لروسيا، كما واصلت إستراتيجيّتها العسكرية طويلة الأمد بضرب خطوط الإمداد اللوجستي الروسية في عمقها الخلفي.

وفي هذا الإطار، استخدم الجيش الأوكراني في الأوّل من آب نظام الصواريخ المدفعية عالي الحركة أو «هيمارس 60»، وهي راجمة صواريخ أميركية دقيقة التوجيه، لضرب 200 جندي روسي على شاطئ القرم المحتلّ منذ عام 2014. وأظهرت الصور الجوية في 4 آب، طائرات بلا طيار أوكرانية تضرب بالقرب من مستودع نفط في فيودوسيا بشبه جزيرة القرم. وبعد يومين، نجحت أوكرانيا في إلحاق أضرار جسيمة بجسر عبر مضيق هينيتشيسك، الذي يربط أجزاء من شبه جزيرة القرم بالبر الرئيسي لجنوب مقاطعة خيرسون المحتلّة. كذلك، ضربت أوكرانيا وللمرّة الثانية في غضون أسابيع جسر تشونهار المجاور، وهو مسلك لوجستي مهمّ آخر للإمدادات في الجنوب.

هذه الضربات المتتالية، أجبرت الجيش الروسي على إعادة توجيه شاحنات الإمدادات اللوجستية والقوات نحو الجانب الغربي من شبه جزيرة القرم، ما جعل حركتهم أكثر قابلية للتنبؤ وعرضة للهجوم الجوّي، وأتت ردّة الفعل الروسية بتوجيه ضربات صاروخية على أنظمة «ستورم شادو» المتواجدة في أوديسا، وأنظمة «هيمارس»، لكن الدفاعات الجوية الأوكرانية تمكّنت من إسقاط جميع المسيّرات الإنتحارية (27 مسيّرة شاهد 136)، ونسبة عالية من صواريخ «كاليبر» المطلقة من البحر (17 من أصل 20 صاروخ «كروز»)، وإسقاط 13 صاروخ «كروز» هجومي «ك 101» الإستراتيجي من أصل 23، الذي يُطلق من الجوّ عبر مقاتلات روسية إستراتيجية.

تباطؤ العمليات البرّية يواجهه تسارع في العمليات البحرية في البحر الأسود، فبالرغم من امتلاك روسيا القوّة البحرية، إلّا أنّ الجيش الأوكراني يستخدم الأسلحة المضادة مثل الزوارق أو الغواصات المسيّرة المفخّخة لضرب السفن الروسية أو الجسور في شبه جزيرة القرم، فضلاً عن الصواريخ المضادة للسفن التي أثبتت فعاليّتها مثل «هاربون» و»نبتون»، إضافةً إلى الطائرات المسيّرة المفخّخة أو المزوّدة بالصواريخ الموجّهة، لكن الأخيرة تعتبر الأقل فعالية مع امتلاك الجيش الروسي أسلحة التشويش الإلكترونية وأنظمة الدفاع الجوّي. مع جمود المعارك في أوكرانيا، تتّجه عين موسكو نحو الغرب، حيث يتمثّل الخطر الأكبر على روسيا من دول حلف الناتو بعد اتساع حدودها مع الناتو من 1300 كلم إلى 2500 كلم بعد انضمام فنلندا إلى الحلف، والخوف الروسي بشنّ الناتو أي هجوم مفاجئ هناك على الأراضي الروسية. والخطورة هناك بالنسبة إلى دول الناتو هي من قوات «فاغنر» المتمركزة في بيلاروسيا، على تقاطع الحدود المشتركة مع بولندا وأوكرانيا، وفي المناطق الحدودية في بيلاروسيا التي يمكنها التأثير المباشر على طرق الإمدادات اللوجستية الأساسية الغربية البرية من بولندا إلى دول البلطيق، وأهمها ممر سوالكي حيث تسعى «فاغنر» للسيطرة عليه.

يبدو أنّ موسكو تُريد توسيع دائرة المعارك مع الناتو، من أجل زيادة الضغوطات لتقديم تنازلات لصالحها. وإذا ما عزّزت موسكو قواتها غربي ممر سوالكي في جيب كالينينغراد الروسي مع نشرها قوات «فاغنر» شرقي الممر في بيلاروسيا، ستتمكّن عندها من عزل دول البلطيق عن حلفائها في الناتو في وسط أوروبا وغربها في حال أقدمت على احتلال ممرّ سوالكي، ما سيفتح الطريق لبوتين لغزو ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا. لكن هذا السيناريو سيؤدّي إلى ردّ فعل عسكري فوري من دول الناتو الأخرى، والتي ستعتبر الهجوم الروسي على بولندا أو دول البلطيق هجوماً مباشراً على الحلف برمّته. فهل تكون نية روسيا بالتصعيد نحو حرب شاملة والمخاطرة بتصعيد نووي من كلا الجانبَين، لزيادة الضغط على الناتو لتقديم تنازلات؟


MISS 3