رفيق خوري

«الخماسيّة» وسياسة أوباما: لعبة «اللبننة والتدويل»

12 آب 2023

02 : 00

وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت يكرر تهديدات أسلافه بضرب «حزب الله في كل شبر» وإعادة لبنان الى «العصر الحجري». وما يمنعه ليس فقط «توازن الردع» والخوف من الثمن الباهظ الذي ستدفعه إسرائيل بفتح كل الجبهات في «محور المقاومة» عليها، بل أيضاً أن الحفاظ على لبنان لا يزال ضمن مصالح القوى العربية والدولية التي لا تضع البلد كله في خانة «حزب الله». فضلاً عن عبثية الذهاب الى حرب مدمرة ليس لها مردود جيوسياسي عملياً. وفضلاً أيضاً عن أن اللعبة ممسوكة وقواعد الإشتباك مضمونة منذ حرب 2006، بصرف النظر عن التوترات الأمنية والنبرة المرتفعة في الخطاب.

لكن المافيا السياسية والمالية والميليشيوية المتسلطة تتكفل، من دون العدوانية الإسرائيلية، بإعادة لبنان الى العصر الحجري. فهي أعادتنا الى مرحلة ما قبل الدولة الأخطر بكثير من لعنة الدولة الفاشلة. وهي فرضت بالقوة لا فقط جمهورية بلا رئيس بل أيضاً الهيمنة على ما بقي من الجمهورية ودفع المؤسسات الى الإنحلال من دون أن تكون قادرة على صنع البديل أو راغبة في صنعه على المدى المنظور، ولو كان أسوأ من الوضع الحالي.

ولا جدوى من المراوحة بين «اللبننة والتدويل» في الإستحقاق الدستوري المتأخر. ولا معنى، إلا إذا صار اللامعقول هو المعقول، للبحث في مواصفات الرئيس المطلوب بعدما صارت الأسماء على الطاولة وفي جلسات البرلمان المبتورة للإنتخاب الرئاسي. فكلما اشتد الطلب اللبناني على التدويل، حسب التقاليد والأعراف، أعادت الدول تسليط الأضواء على مسؤولية اللبنانيين في الدرجة الأولى لجهة التنافس الديمقراطي أو التفاهم. وكلما انتظرنا من «الخماسيّة» العربية والدولية خطوة عملية في الأخذ بيدنا من الدوران في المأزق الى المخرج منه، قيل لنا: ساعدوا الموفد جان إيف لودريان ليساعدكم في أيلول قبل أن تنتهي مهمته، ويبقى لبنان بلا رئيس وحكومة واقتصاد ومصارف ومال ورواتب للموظفين وأدوية للأمراض المستعصية. من الرهان على التدويل الى إدارة اللبننة.

والواقع أن «الخماسيّة» تفضل، لأسباب متعددة، أن تعتمد في السياسة حيال لبنان وتعقيدات وضعه محلياً وإقليمياً السياسة التي مارسها الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في صراعات ليبيا وسوريا وأزمات المنطقة بناء على نصيحة مستشاره الأقرب إليه بن رودس:»القيادة من المقعد الخلفي». وليس هذا ما تفعله إيران عبر «حزب الله». ولا ما تتمناه أطراف عدة في لبنان اعتادت أن تنتظر كلمة السر أو الضوء الأخضر أو ما كان يسمى «الوحي» الخارجي من القوى المؤثرة: أميركا ومصر، أميركا وسوريا، سوريا وحدها. ثم «الممانعة» بطرفيها الداخلي والخارجي.

ونحن، كنا ولا نزال، أسرى المبالغات. مبالغات في القوة. مبالغات في الضعف. مبالغات في اللبننة والتدويل. مبالغات في قراءة الإتفاق السعودي-الإيراني في بكين والإنفتاح على دمشق، الى حد التصور أن المنطقة عشية نظام إقليمي جديد. ومبالغات في البطء أو التعثر الذي أصاب الإتفاق والإنفتاح وما يقود إليه.

وقديماً قال سانتايانا: «لا رياح ملائمة لمن ليس لهم إتجاه».


MISS 3