بشارة شربل

ليس وحده ولا آخر المطاف

14 آب 2023

02 : 00

قبل فضيحة تقرير التدقيق الجنائي التي أسقطت آخر دفاعات رياض سلامة، كان مريدوه يحَاجّون، ولو زوراً، بالقول: «لا تحوِّلوه كبش محرقة. نفَّذ الحاكم سياسات الحكومات والبرلمانات. ومبلغ 333 مليون دولار الذي حوَّله لشقيقه هو «مال خاص» ضاق بأعينكم رغم كونه فتافيت إزاء هدر عشرات المليارات».

بعد العقوبات الأميركية والبريطانية والكندية الأخيرة، لا بدَّ من أن يبتلع هؤلاء ألسنتهم التي تطاولت على أكثر من قضاء أوروبي، أو يعتصموا بـ»سكوت من هراء»، خجلاً ممّا جاء في مضمون تقرير «الفاريز أند مارسال» الأولي كاشفاً حقيقتين:

1- الكوارث المالية التي تسبّبت فيها أحابيل واحتيالات سُمّيت «هندسات» وكلفت 76 مليار دولار، وخلاصتها نقل الأموال من حسابات المودعين الى جيوب النافذين وأصحاب المصارف الذين حوَّلوها الى الخارج تاركين من إئتمنوهم على مدّخراتهم «على الحديدة».

2- دويلة رياض سلامة العميقة وهي كناية عن شبكة سياسية وقضائية وأمنية وإعلامية شكلت أذرعاً طويلة وألسنة مسنونة في خدمة «المنظومة» التي دمّرت كلّ مقومات السيادة والمناعة الاقتصادية، وتختصرها «عصابة أشرار» رسمية عاثت فساداً ولا تزال تتحكّم بمفاصل المؤسسات.

اليوم تحديداً يجب أن يقال إنّ «الحاكم» ليس وحده على الإطلاق، إذ لا يمكن لشخص وحده مهما امتلك من علم ودهاء ونية إجرام أن يكسر مالية وعملة بلد بأمه وأبيه، ويضرب حاضر ومستقبل عشرات آلاف العائلات التي باتت تقتات من تعاميمه بحفنة من الدولارات.

شركاء رياض سلامة من كلّ الأطياف والمستويات، ومقرفٌ أنهم أيضاً في أعلى المسؤوليات. وإذا استثنينا أصحاب الحاجة والطمَّاعين، نقول كيف أمكن لمجلس النواب، رأس المؤسسات الرقابية، أن يتواطأ على ناخبيه قبل تنكّره لسائر المواطنين وللمسؤولية الوطنية؟ بل كيف استطاع القضاة تجاهل الوقائع والإخبارات وبيع ضمائرهم مقابل قروض وأعطيات وولاءات؟ وكيف استسهل رجال إنفاذ القانون خيانة القَسَم مستنكفين عن واجبهم حماية الوطن من جلاوزة الفساد والإجرام؟

في الواقع طفح الكيل من هذه «المنظومة» الى درجة بات الناس ينشدون العقوبات من الخارج للثأر أو لفتح باب الرجاء. ويبدو أنّ المجتمع الدولي أيضاً ضاق ذرعاً بها وبات متحفزاً لتشديد العقوبات وتوسيعها لتصل الى حيتان كبار.

العقوبات على سلامة ليست حادثاً عرضياً. انها بطاقة حمراء تشي بتغيير واشنطن وحلفائها قواعد اللعبة. فإذا كان رجُلهم المفضل على مدى ثلاثة عقود صار معاقباً ومطلوباً من «الانتربول» ومجمَّد الحسابات، فلن نستغرب رؤية أبرز شركائه وحُماته على هذه الحال إذا لم يسارعوا الى إقرار الإصلاحات ويوقفوا تعطيل المؤسسات وأهمها انتخابات الرئاسة والاستحقاقات الدستورية الأساسية.

لا أحد كان يتمنى أن تأتي العقوبات الخارجية لتعيد بعض الحق الى المغلوب على أمرهم في لبنان أو لترسم لهم خريطة الخلاص، لكن «المنظومة» التي عطلت العدالة المحلية بعدما حوَّلتها خادماً ذليلاً، لم تترك للمواطن إلا الاغتباط بإجراءات تأتي من وراء البحار.

«محاسب المنظومة» أول الغيث... بعدما تعب اللبنانيون من الاستسقاء.


MISS 3