جيمي الزاخم

Selfie مع هند أبي اللّمع

17 آب 2023

02 : 01

مع أخيها طوني السّند والرفيق
(تزور هذه السطور هند بصحبة طوني أبو الروس، أخيها غير الشقيق. كان نعمَ الشقيق والرفيق الرقيق. يرسم طيفها. يلتقط صوتها. يلملم ضحكتها منذ 33 غياباً. بعدسة شوقه وفخره، نلتقط معها صورة selfie بعينَيْن تحجبان وتبوحان. تتحدّث الأميرة معه، معي ومعكم بلسان المتكلّم. ضميرُ الغائب لا يليقُ بمن لا يغيب).

مرحبا. رح إحكيكُن بالدّارج. مش لأنو أنا عنيدة وبعمل اللّي براسي. بس لأنو آخر مسلسلات قدّمتها بحياتي كانت باللّهجة المحكيّة مش باللغة الفصحى. هيك بحسّ حالي عم إقرا سيناريو مسلسل، وإنّي عم مثّل دور جديد:

أنا هند توفيق أبي اللمع. المواقع والصفحات سمّت بيّي محمود. (بالـ 2023، جرايد وصفحات بتنقل معلومات مش أكيدة؟!). مين محمود يا إمّي؟ مين محمود يا نجلا الراسي؟ ما عرفت توفيق إلا بإسمو وبأخبارِك عنّو. مات وأنا كنت جوّاتِك. هوّي راح وأنا جيت. بـ 22 تشرين التاني 1943، فكّت ضيعة الشبانيّة حدادها. وضيّفت القدر من سنينيّة الجمال بِنْت سمّيتيها هند. ع الهويّة بيّي توفيق، وبالحقيقة كان خليل أبو الرّوس. معو ومع إمّي نجلا، أنا إكبر والعيلة تكبر. جابولي 3 إخوة: ليلى وسليم وطوني. بيني وبين طنطون 17 سنة. ربّيتو مع إمّي. ترافقنا كلّ هالسنين- بحلوها ومرّها- اللي كانت تقرّبنا أكتر وأكتر.



هند الناعمة في صباها

قبلة لم يشبع منها ربيعُها

هاتف بريقها لم يغلق أبداًعلى الشاشة

قبلة لم يشبع منها ربيعُها



عشنا ببيروت. اشتقتلّها. ليش مش عم ترتاح بيروت؟ تعب قلبي وقلبها من القصف والقتل! بتتذكّر يا خيّي لما مرّة كنت حاملة أولادي وراكضة ع الملجأ، ونزلت قذيفة ع الطريق صابتني شظاياها؟ لمّا نحنا وعم نصوّر «المعلّمة والأستاذ»، بقينا بالستوديو للساعة 12 بالليل حتى أعلنوا وقف إطلاق النار؟ كتيرة الحكايات اللي صارت بالتصوير. بحوار مع مجلة الشبكة سنة 1980، خبّرت كيف بمسلسل «عازف الليل» كنت قتلت الممثل علي دياب بالحقيقة: كنّا مفكّرين المسدس فاضي. أكتر شخصية عزيزة عليّ من اللي مثّلتهُن هي ديالا... بخبّرك عن الفنّ أو الحرب؟ أيّ طرف أقوى؟

بـ 2 تشرين الاول 1990، حضرت نشرة الأخبار. وجّعتْني صور مجزرة نهر الموت. قلبي المريض ما عاد يحمل جروحات... نمت وما فقت.... غسلتوني بدموعكُن قبل ما يغسل الصبح وجّو... إبني ساسين جرّب يخلّصني هو اللي كان عم يتخصّص بالطبّ. ما ردّيت!... سامحوني. غافلتكُن بلا إنذار.

كلكن بتقولوا إنّو الحرب انتصرت بنهار وداعي. لولاها كان لبنان ودّعني وكرّمني أكتر. الإيام السودا بهيداك التشرين ما تركت مطرح إلا للدّم والنار. رغم هيك، من مار يوحنا بالأشرفية لكفرحاتا الزغرتاوية، حملوني اللي حبّوني. الحواجز اللي فصلت المناطق عن بعضها، مرّقت سيارتين: الأولى غامرة هند والتانية عيلتها. أمّا اللي كانوا بالموكب فاضطروا يعبروا الحواجز ع إجريهن ودموعُن. وصلتوا ع كفرحاتا. نيّمتوني بالبيت 24 ساعة. حكّيتوني. بوّستوني. ورجعتوا من دوني بالبحر بسفينة حربية... من بيروت ع الشمال، بمحبّتن وحزنن، رجال نسوان وأولاد وقفوا يودّعوني. ع الحواجزالمشهورة، شفتوا المسلّحين والجنود اللبنانيين وغير اللبنانيين كلّن بوّسوني. بكيوني وندهولي: يا حياتي- الله معك يا أميرة- يا ملكة... معقول يا خيّي يكون الفنّ انتصر ولو للحظة؟!

يا خيّي، بتتذكّر بلشت طريق الجلجلة ليلة عيد ميلادك 2 أيلول 1985. كل شقفة من جسمي كانت عم تختنق. ما عرفوا شو بني بالبداية. وبين لبنان ولندن، عرفت إنو مرض الـscleroderma النادر ما رح يعطي قلبي إلا 5 سنين أنا وبعمر الأربعين. كنت قويّة وواثقة إنو مش الطبّ رح يحدّدلي عمري. كان إيماني كبير كتير. بس الـcortisone اللي عم يساير الوجع، كان يغيّر جسمي ويقهرني. كنت إنزل ع بيت أهلي نام حدّ إمّي وهي مش عارفة شو بني. رجعت بنت صغيرة. إضحكلك وإنت تضحكلي. وتفوت تبكي لوحدك. وأنا لوحدي، كنت عم عمّر إيّامكن اللي ما رح كون فيها.

إيّامي عشتها مع اللي بيحبّوني، اللي اخترتُن يكونوا قلال. ما بحبّ لبّي الدعوات والسهرات، مع إني بنت الفرح. بس أنا هند أبي اللمع. كل حركة محسوبة عليّ. الشهرة سجَنتْني. بس عمّرت من القضبان عواميد توصّلني للقناعة بمجتمع عايش ع الكذبة. وأنا صريحة. ما بجامل. ما بقبل الشّواذ حتى من أهل بيتي. هالبيت اللي كان مملكتي. بين كل سيجارة وسيجارة، تركت رماد عمري بهالبيت. تركت صوتي. الصوت إلو ريحة؟ زوجي أنطوان ترك كل شي مطرحو: فرشايتي، عبايتي، خزانتي. كأنّي ما فلّيت. أنطوان ريمي اللي ما بيحكي كتير، زاد صمتو. وصار يفوت لجوّاتو ت يلاقيني. كان عم يغسل كلى وصار يغسل معن الدّمع... وجّعتكن كتير!... ربيع إبن الـ 18 سنة ما شبع مني، يا ولدي! وساسين قرّر يوقف دراسة الطبّ لأنو ما خلّصني. بس ثابروا وكمّلوا وتميّزوا. كنت قول دايماً يا رب خدني قبل ما تاخد إمّي لأني ما بتحمّل فراقها! بعد صدمة موتي، بلّشت نجلا تنسى. تشوف صورتي وتسألك يا طوني: «هالست عيونها حلوين. مين بتكون؟» وإنت يا خيّي عشت الحرقة حرقتين. ليش هيك صار فينا! كنت دايماً قول إنو الدني تمثيلية كبيرة. كل حدا منّا عندو دور وبيخلص. الحزن دايماً بينتصر. الشهرة والعزّ ما فاتوا ع بيتنا بلا جمرك الوجع! محبّة هالناس كان تمنها غالي كتير!

بتتذكّر هالمحبة لمّا انعرضت الحلقة الاخيرة من مسلسل «لا تقولي وداعاً» سنة 82؟ البطلة ميرا ماتت. طلّت غابي لطيف ع الشاشة: «التلفونات متل الشتي. بدي طمّن كل اللبنانيين إنّو هند أبي اللمع بألف خير وهيدا كان تمثيل». بتتذكّر سنة 1988، لما عملنا كذبة اول نيسان - مع طلال شتوي وريما صيرفي بمجلة الحسناء- إني رح إترشّح ع رئاسة الجمهورية؟ (حاكي القصة طلال بكتابو «بعدك على بالي»). والناس صدّقت. بالآلاف اتّصلوا وإجوا مبسوطين .

هالمحبّة كانت زوّادتي بحياتي و زوّادتكن بغيابي مع كل جيل جايي من بعدي. يمكن حضروني وحبّوني ويمكن لأ بزمن الصور والـFilter. السنين بتغيّر و»بتفلتر». بتغيّر الصّور والوجوه والقلوب. ..هالسنين اللّي برجعلها كلما إسمع غنّيتي الأحلى «يا سنين اللي رحتي إرجعيلي»، كلما إتلاقى معكن من عشيّة، بكل غمضة عين يهرب فيها الغيم الحزين. كلما إجا صيف وأنا ما جيت... بعرف إنو السنين ما بترجع. بس يبدو ما تعبت تحملني بحضن الزمن تَ تصوّرني معو وتخبّرو حكايتي... حكاية هند!


MISS 3