ربيع الراعي

مساحة حرّة

أولمبياد الــ2020 شعلة لم تنطفئ

28 نيسان 2020

04 : 40

إختلف المكان والزمان ولم يكن ما كان ابداً في الحسبان، سابقةٌ لم يرَ العالم لها مثيلاً من قبل، جائحةٌ فقدت صوابها وانتفضت على الإنسان من دون رحمة او تردد.

لم يسبق ان تم إلغاء اي موعد لدورة اولمبية لسبب غير الحرب العالمية الأولى والثانية، إنها المرة الأولى في التاريخ الحديث التي يتم فيها تأجيل الألعاب الاولمبية وهي التي تُعدّ اهم حدث رياضي ينتظره العالم مرة واحدة كل اربعة اعوام.

تأجيلٌ رياضي قسري فرض نفسه على المنظمين والرياضيين رغماً عنهم: عداؤون ثابروا واجتهدوا وتمرّنوا للمشاركة فيها والمنافسة لحصد ميدالياتها؛ ملاكمون امتنعوا عن خلع قفّازاتهم قبل سماع صفارة الحكم؛ سباحون نزلوا في المياه الباردة حبسوا انفاسهم وغطسوا آملين الوصول إلى خط النهاية؛ رماة السهام حافظوا على تركيزهم وينتظرون العد التنازلي للتصويب على هدفهم؛ ولاعبو الجمباز لم يستسلموا بل عززوا من ليونتهم؛ رافعوالأثقال استجمعوا قواهم ومبارزو السيوف ارتدوا ثوبهم الأبيض وقناعهم الأسود وتربصوا في اماكنهم ينتظرون صافرة البداية.

لم يستطع لاعبو كرة القدم من تحريكها هذه المرة، فالهجوم لا يستطيع المخاطرة وخط الوسط تكبد خسائرغير مسبوقة وخط الدفاع يعاني الأمرّين خوفاً من اختراقه والتسجيل في حارس مرماه. فرقٌ من مختلف اصقاع الأرض تضافرت جهودها بهدف الحصول على اكبر عدد من الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية في منافسةٍ رياضية من خلال معركة متساوية في الإمكانات والجهود الظاهرة للعيان.





تلك هي حال رياضيي العالم اليوم، فكيف هو حال ممرضي وممرضات واطباء العالم اليوم، الذين يحاربون ويجاهدون بكامل إرادتهم وإمكاناتهم وإنسانيتهم على الخطوط الأمامية في معركة غيرمسبوقة وغير متساوية ضد عدّوٍغامض يرفض الظهورللعلن يغدر بهم وباحبائهم وينشرالموت في المعمورة بأسرها وهو الذي نجح حتى الآن في إيقاف الكرة الأرضية عن الدوران؟

أبطال يعملون من دون كلل او ملل، يغيبون عن بيوتهم وأحبتهم حتى نبقى نحن آمنين معافين مع احبتنا. إنهم في المرصاد يدافعون عن مرماهم بجميع الطرق. هم نماذج رائدة في العطاء الإنساني والتضحية والوفاء. ورغم النقص في المعدات والتجهيزات، نراهم يتنافسون للدخول إلى مراكز العناية المركزة، يرتدون الثياب والقفازات الطبية المخصصة لكورونا التي تعرقل حركتهم بالإضافة إلى الاقنعة الواقية والتي تحرمهم بدورها من تناول الطعام او حتى شرب المياه لساعات عجاف خوفاً من نشر العدوى.

اعمال رياضية بامتياز تجعلهم يهرولون من سرير إلى آخر ناشرين الطمأنينة بفرح وحماس، مؤدين دورهم بكل إخلاص وتفان آملين الشفاء والسلامة والصحة والفوز لجميع مرضاهم.

لا يقف في وجه عزيمة هؤلاء شيء: إنهم ملائكة الرحمة يقفزون فوق الحواجز بكل ثقة معتمدين على انفسهم وعلى إنسانيتهم وعلى صلاة ودعاء الناس لهم.

بالرغم من كثرة الأثقال والمسؤولية الملقاة على عاتقهم لا ينتظرون ميدالية ذهبية، فضية او برونزية من هنا اوهناك. سهامٌ اصابتهم، ارهقتهم ونالت من مختلف طواقمهم واستشهد العديد منهم في ميادين الحب والأخلاق والانسانية. جُل ما يتمنوه هو العودة إلى عائلاتهم واطفالهم سالمين ومعافين، شاكرين وراضين.

كانوا يتمنون تأجيل او حتى إلغاء مُهمتهم ولو لفترة وجيزة، كما حصل لأخوتهم الرياضيين، كي يتمكنوا من خلالها من تجهيز انفسهم ومعداتهم ووداع محبيهم. لكن الامر قد قضى، وها هم اليوم يعملون بشكل إضافي حتى يسدّوا النقص البشري في المنشآت الصحية حيث يتناوبون فيها بفخر واعتزاز وإخلاص.

سباقٌ مع الوقت، ألعاب لا مثيل لها، إختلالٌ بين الحاجة والقدرة. فهل سيتمكن هؤلاء الرياضيون الأبطال من اجتياز وإتمام هذه المهمة المُعقدة المُوكلة إليهم قسراً وغير المسبوقة في التاريخ الحديث ؟

سؤالٌ تصعُب الإجابة عليه بانتظار ظهور اللقاح، لكنّ الشُعلة لا تنطفئ وهي الضوء الوحيد في نهاية النفق...

ربـــــيـــــع الـــــراعـــــي | إعلامي


MISS 3