مجيد مطر

مقفلة بسبب التنقيب

19 آب 2023

02 : 00

على وقع الحديث عن قرع طبول الحرب على الأرض السورية، حيث تستعد الولايات المتحدة وحلفاؤها لشن عملية عسكرية مسرحها مناطق دير الزور والميادين والبوكمال التي تسيطر عليها الميليشيات الإيرانية، بهدف قطع طريق طهران - بيروت، للحد من النفوذ الإيراني في سوريا والمنطقة، أعلن لبنان عن وصول منصة الحفر إلى بلوك (رقم 9) للبدء في أعمال الحفر عبر جهود مشتركة بين شركة «توتال انرجين» وشركة «قطر للطاقة» وشركة «ايني» الإيطالية، في ترجمة عملية لاتفاقية ترسيم الحدود التي رعتها الولايات المتحدة بين لبنان وإسرائيل، وبرضى وموافقة «حزب الله» صاحب الكلمة الفصل في شأن الحدود الجنوبية البرية والبحرية.

من البديهي القول إنّ هذا التحالف من الشركات المستثمرة، لم يكن ليبدأ بأعمال الحفر في أعماق المياه اللبنانية لولا حصوله على الضمانات الفعلية بأنّ التوترات بين اسرئيل و»حزب الله» لن تتوسع صوب مواجهة عسكرية مفتوحة تهدد مشروع استخراج النفط اللبناني برمته، وتطيح المجهود الدولي الرامي إلى تهيئة أفضل الظروف السياسية والأمنية لنجاح المحاولة، وتجنباً لوقوع خسائر مالية واقتصادية هي أكبر من أن يتحمل مسؤوليتها أي طرف من الأطراف.

ومعطيات الاستقرار على الحدود الجنوبية ترسمها مجموعة من العناصر المهمة التي يمكن استنتاجها: أولاً، كون الغاز سلعة اقتصادية مهمة زادت أهميتها بعد الحرب الروسية - الأوكرانية. ثانياً، تلزيم التنقيب للشركة الفرنسية المستفيدة من الدور السياسي الفرنسي غير المستفز لإيران وحلفائها في لبنان. ثالثاً، دخول العامل القطري المؤثر من خلال «الشركة القطرية»، يؤكد العلاقة التنسيقية بين قطر وفرنسا والولايات المتحدة من خلال اللجنة الخماسية بشأن لبنان للمساعدة في إجراء الانتخابات الرئاسية.

بكلام آخر، فقد دفع التنافس الأميركي - الروسي لخلق معطى جيوسياسي أكثر اتساقاً مع مقولة إنّ الحدود الجنوبية للبنان مقفلة بسب عمليات استكشاف النفط في المياه اللبنانية، ربطاً بالحيّز الاقتصادي وليس السياسي. وهذا المعطى له ترجمات عملية على الأرض، ليس أبرزها تحوّل سوريا لساحة بديلة عن الساحة اللبنانية، حيث تتركز الضربات الإسرائيلية والأميركية والتركية فوق الجغرافية السورية. أمّا بالنسبة لحلف الممانعة بقيادة ايران، فقد استطاع أن يتأقلم مع التطورات من خلال مقولة «وحدة الساحات» التي جعلت من غزة الجبهة البديلة عن جبهة الجنوب، كون التكلفة هناك أقل بكثير من تكلفة الجبهة اللبنانية، لا سيما وأنّ نتائج حرب تموز ما زالت تطغى على جميع حسابات المواجهة لدى طرفيها. أيضاً الأمر نفسه ينطبق على الإسرائيليين الذين تكيّفوا إلى حدٍّ ما بحصر الصراع ضمن حدود غزة، لسهولة احتواء نتائجها وتهديداتها اسرائيلياً، بخلاف جبهة الجنوب، حيث لـ»حزب الله» قدرات عسكرية متفوقة مقارنةً بالفصائل الفلسطينية داخل قطاع غزة.

فبعد الهجوم الروسي على أوكرانيا قررت الولايات المتحدة تهدئة جبهة الجنوب، عبر الضغط الذي مارسته على جميع الأطراف عبر وسيطها آموس هوكشتاين حيث تكفي الإشارة إلى وصف الرئيس الأميركي جو بايدن اتفاق الترسيم بـ»الاختراق التاريخي». هنا من المفيد التذكير بأنّ إصرار الأميركيين على لعب دور مؤثر في مسألة نفط وغاز شرق المتوسط، إنما يأتي من حرصهم على منع تحويل الغاز إلى سلعة سياسية على غرار ما حصل في العام 1973 إبان حرب تشرين بين العرب وإسرائيل.

واتفاق الترسيم غنيّ بدلالاته وتوقيته لناحية تغيير مسرح العمليات ربطاً بالصراع غير المباشر بين الروس والأميركيين على الأرض الأوكرانية، فكثير من المراقبين يؤكدون بأنّ الولايات المتحدة ستمارس الضغط على روسيا انطلاقاً من سوريا، لنجد أنّ جميع الفاعلين هناك في مرحلة تجميع القوى وتحديد الخيارات.

لبنان راهناً بواقعه السياسي والاقتصادي لن يكون ساحة مواجهة اقليمية، ولن يكون أيضاً ساحة لحرب أهلية، فالاسرائيليون يعتبرون أنّ ما يقوم به «حزب الله» على الحدود من استفزاز بحسب تعبيرهم لا يستدعي حرباً، طالما الأمر محصور بإثبات الحضور واستعراض القوة. أمّا داخلياً، فقد أثبتت حادثة الكحالة سعي الجميع لاحتواء الموقف اقتناعاً بأنّ المواجهة السياسية أجدى من حربٍ الجميع فيها خاسر.

قصارى القول إنّ جبهة الجنوب مقفلة حتى إشعار آخر...


MISS 3