باسمة عطوي

السياسة أفسدت إدارة ملف التنقيب عن النفط بالشكل الصحيح

تفاقُم سوء إدارة قطاع النفط والغاز في لبنان

10 تشرين الثاني 2023

02 : 01

استعجل عون كثيراً في إعلان لبنان بلداً نفطياً

في غمرة اعتماد الاتكال على الغاز الموجود في بحر لبنان للهروب من تنفيذ الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي كباب للخروج من الازمة، أتى اعلان ائتلاف «توتال إنرجيز» الذي يضم شركتي الطاقة الإيطالية العملاقة «إيني» و»قطر للطاقة»، أن لا كميات تجارية في البلوك رقم 9، ما يعني أن الآمال المعقودة على هذه الثروة لبدء الخروج من جحيم الازمة الاقتصادية في حكم المجمّدة حالياً بانتظار التطورات التي ستسجل عند التنقيب في البلوكين 8 و 10 من قبل الائتلاف النفطي نفسه.


بلد نفطي؟

إذاً، لا يمكن القول إن لبنان عشية التحول الى بلد نفطي، فالعقد مع «توتال» نصّ على حفر بئر واحدة في كل بلوك وقد تم الالتزام بهذا الاتفاق. وفي حال قرّرت «توتال» الحفر في نقطة أخرى في البلوك نفسه فإنّ هذه الخطوة ستأخذ وقتاً. وفي هذا الاطار تشرح خبيرة النفط والغاز لوري هاتايان لـ»نداء الوطن» أنه «في ظل كل هذه الظروف التي تحيط بالملف النفطي في لبنان، يمكن القول إننا بتنا بعيدين جداً عن الحلم أو الوهم الذي عاشه اللبنانيون بأنهم سيدخلون نادي الدول المنتجة للنفط والغاز»، جازمة أن «هذا الحلم أصبح بعيد المنال طالما أن الوضع على حاله. والسلطة السياسية التي كانت تتكل على هذا القطاع للهروب من تنفيذ الاصلاحات، لم يعد يمكنها ذلك، ولا مفر من تنفيذها الاصلاحات الأساسية والبنيوية المطلوبة لتوقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي للخروج من الازمة». وترى أن «إكمال السلطة رهانها على اقتصاد الكاش وأموال المغتربين والمساعدات، يعني أن لا استثمارات أجنبية ستدخل الى لبنان بل تكريس المزيد من الفساد في الاقتصاد اللبناني وربما هذا هو هدف السلطة».



لوري هاتايان



نتائج خائبة

تذكّر هاتايان أنه «في جولة التراخيص الاولى التي انتهت في العام 2018، أبرمت الدولة اللبنانية عقدين مع شركة «توتال انرجيز» للتنقيب عن النفط في البلوك رقم 4 و9، وفي 2020 قامت الشركات بأول حفر استكشافي في البلوك 4 وكانت النتيجة أنها بئر فارغة وليس فيها معطيات مشجعة. وفي 2023 أعلن ائتلاف الشركات الانسحاب الكلي من البلوك رقم 4»، مشيرة الى أن «هذا يعني أن هذا البلوك عاد الى الدولة اللبنانية مع المعطيات الجيولوجية عن البئر (الذي تمّ حفرها) ونتائج الحفر، وبعد تسارع الاحداث وترسيم الحدود البحرية في تشرين الاول 2022، أطلق الحفر الاستكشافي في البلوك رقم 9 في آب الماضي وجاءت النتيجة سلبية ايضاً».

الظروف الإقليمية

تضيف: «اليوم نحن لا نعرف مصير البلوك رقم 9. ولا نعرف اذا كانت الشركات ستتخلى جزئياً أو كلياً عنه او انها ستقوم بأعمال اضافية فيه. وجولة التراخيص الثانية التي انتهت في تشرين الاول 2023 أفضت الى عرضين من ذات الائتلاف الذي قدم عرضاً للحفر في البلوكين 8 و 10، ونحن ننتظر النتائج ورأي الحكومة اللبنانية لجهة رفض أو تعديل العقود، واذا كانت تعتبر أنه من المناسب فتح جولة تراخيص ثالثة وعرض البلوكات الباقية للتنقيب، ام أن الظروف الاقليمية والداخلية غير مؤاتية».





إدارة التوقعات

في الاطار نفسه، توضح المستشارة القانونية في الشؤون البترولية الدكتورة خديجة حكيم ل"نداء الوطن" أن "المشكلة الاساسية في لبنان هي في ادارة التوقعات في هذا القطاع، بمعنى أنه من الإحتمالات الممكنة أن لا تصيب شركة التنقيب عن النفط و/أو الغاز المكمن التجاري عند حفر الحفر الإستكشافي الأول في البلوك، وما حصل مع ائتلاف الشركات بقيادة المشغل شركة "توتال إنرجيز" أمر وارد حدوثه، خاصة أن إلتزام إئتلاف الشركات بموحب بنود عقد الإستكشاف والإنتاج الموقع على البلوكين 4 و9 هو حفر بئر إستكشافي واحد في كل من البلوكين، وهذا يعني الحد الادنى للحفر" مشددة على أن "هذا لا يعني أن هذه البلوكات خالية من النفط والغاز وبالتالي إعلان فشل هذا القطاع، وهنا يجب الإشارة إلى أن الحفر في البلوكين 4و9 وكما الحفر الذي تم في الستنيات ل 8 آبار في البر اللبناني للبحث عن النفط والغاز، كلها تثبت أن هناك نظاماً بترولياً في لبنان وآثاراً هيدروكوربونية، وإن كنا لتاريخه لم نكتشف مكامن تجارية، إضافة إلى ان هذا البلد لن يكون منعزلاً جيولوجياً عن المنطقة المحيطة فيه، اي فلسطين المحتلة وقبرص وسوريا، وجميع هذه الدول تم اكتشاف النفط والغاز فيها، إضافة لذلك فإن الشركات نفسها التي نقبّت في البلوكين 4 و9، تقدمت بطلبات للتنقيب في البلوك رقم 8 و 10 وهذا يعني ان لبنان يملك احتمالاً كبيراً بوجود النفط والغاز".



تشرح حكيم أنه "مرّ وقت طويل بين توقيع عقدي الإستكشاف والإنتاج على البلوكين 4و9 في ال2017 وبدء التنقيب عن الغاز 2020 في البلوك رقم 4، وهذا يعني أنه ادارة هذا الملف تتم بشكل بطيء وغير مدروس من قبل الجانب اللبناني"، معتبرة أن "عدم وجود سياسة متكاملة لإدارة هذا القطاع هي التي أثّرت على المسار الذي تسير عليه عمليات التنقيب".



وتشدد على أن "المسوحات الزلزالية تثبت أن هذه المنطقة غنية بالنفط والغاز وبمواد هيدروكربونية وعدم وجود نفط في بئر واحد سواء في البلوك 9 او 4، لا يعني بالضرورة عدم وجود نفط أو/و غاز في هذين البلوكين، بل يعني ان عمليات الحفر الإستكشافي لم تصب المكمن التجاري"، لافتة الى أن "هيئة ادارة البترول في لبنان تقوم بواجبها من ناحية التنظيم، أي أنها تضع الأسس لتفعيل النظام القانوني لهذا القطاع الإستخراجي، لكن السياسة لها دور في تعطيل القوانين وتأخير تنفيذ العقود وعرقلة سير هذا القطاع، كما ان غياب الرقابة في هذا القطاع لها الدور الأساسي في الغموض الذي يكتنف سواء ادارة ملفاته أو ادارة التوقعات".



فمثلاً "ينص القانون على المشغل خلال ستة أشهر من إعلانه عدم وجود جدوى تجارية في البئر الإستكشافي أن يبلغ رسميا بتقرير تقني مفصل الدولة به، ونعجب لغاية اليوم لم يتم نشر تقرير تقني عن نتائج الحفر في بلوك اربعة، وعند السؤال يتذرع الرسميون بأنهم يملكون نسخة من التقرير لكنهم لا يريدون نشره، لأن شركات أخرى قد ترغب بالتنقيب في هذه البلوكات فتكون مادة لبيع المعلومات عن الحفر الإستكشافي"، جازمة بأنه "يجب على الاقل نشر موجز عن هذا التقرير تحقيقًا للحوكمة في هذا القطاع الذي يقوم على الشفافية".



وتختم: "على أمل ان يتم معالجة هذه الثغرات قبل الدولة اللبنانية وهيئة ادارة البترول في المراحل القادمة سواء لجهة تفعيل الرقابة والشفافية في هذا القطاع او لجهة تحسين الشروط التعاقدية على الأقل بزيادة عدد آبار الحفر الإستكشافي تمكينًا لتحقيق نتائج واعدة".


MISS 3