بشارة شربل

الرياض و"البازار"... والحملة البائسة

21 آب 2023

02 : 00

لا عيبَ إطلاقاً في التفاؤل خيراً بتحسن أوضاعنا الداخلية واقترابنا من الوفاق كلما انعقد لقاء سعودي ايراني وسرَت أنباء عن تفاهمات بين دولتين إقليميتين كبيرتين لهما وزن السعودية وإيران وتأثيرهما في لبنان. لكن، معيبٌ فعلاً ان يشعر فريق الممانعة بضرورة «مسك واجب» مع طهران كلما تجمَّد «اتفاق بكين» أو تعرض لعثرات.

يناقض هجوم إعلام «حزب الله» الأخير على الرياض، بالتزامن مع لقاء وزير الخارجية الايراني حسين امير عبداللهيان بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، كلَّ النتائج الايجابية الصادرة عن الاجتماع، وأبرزها تشكيل لجان لحل النزاعات الاقليمية. وإذا كان مفهوماً ان مسار هذا النوع من القرارات طويلٌ وعسيرٌ خصوصاً مع دولة ماكرة مثل ايران لها أذرع في المنطقة وحسابات معقدة تتعلق بطبيعة نظامها وعقيدتها وبمصالحها، فمن المؤسف ألا نبني نحن في لبنان على الايجابيات محاولين إنقاذ بلدنا من أسفل الدرَكات. ذلك ان استمرار ربط الاستحقاق الرئاسي بسيولة المشهد الاقليمي العام، تارة على وقع علاقات طهران بالرياض وطوراً بالتناغم مع مفاوضات «الملف النووي»، قد يترك «بعبدا» مقطوعة الرأس الى ما بعد نهاية العام ويزيد اللبنانيين خراباً على خراب.

هذه الحسابات أتعبَت لبنان. فهو أدَّى على مدى الخمسين عاماً الماضية دور الساحة ومختبر النزاعات الدولية والاقليمية بواسطة الأدوات المحلية. دورٌ مقيتٌ أكلَ وشربَ من دم أبنائه وأرزاقهم ومستقبل وجودهم. لذا حان لفريق الممانعة الذي يمارس سياسات «فوق وطنية» أن يفكر بالطريقة نفسها التي دفعت ربيبته إيران الى مدِّ اليد للرياض، والتي أعلن عبداللهيان رغبة انتهاجها، أي حل الخلافات بالتفاهم والطرق السلمية. وبديهي ان يسري على الوكيل ما يقرره الأصيل، رغم اعتقادنا بأن لـ»حزب الله» رأياً وازناً في آلية اتخاذ القرار في ايران وهو ليس مجرد منفِّذ للإملاءات.

سيضيِّع «حزب الله» وقت اللبنانيين لو اعتقد بأن الأجواء السعودية الايرانية الجديدة تتيح له معاودة الرهان على قبول الرياض بمرشحه سليمان فرنجية وفتح خزائن المساعدات، أو على نظرية فاسدة قوامها ان «الرياض تشتري في اليمن وتبيع في لبنان». هو لم يدرك بعدُ أن لا أحد مستعد للشراء، وأن الرياض عبَّرت عن موقفها في «الخماسية» التي طالبت بالاصلاحات واستعادة دولة القانون والإحتكام الى القرارات الدولية والدستور، ما يعني رفضها أن تعيد «المنظومة» انتاج نفسها وكلَّ أشكال الالتفاف والابتزاز.

يؤمَل أن تكون إيران قررت إقفال «بازار» نزاعها مع الرياض، ربما بعدما تيقَّنت من أن شعبها يعقد المقارنات بين سياسة الاستقرار ومشاريع الحداثة والازدهار وتكريس الاعتدال التي يقودها محمد بن سلمان، وبين الاستنقاع في الرجعية وزيادة الفقر وهدر القدرات واستثارة الاضطرابات والتطرف في كل مكان... مسؤولية «حزب الله» أن يقفل هو أيضاً فرع «البازار» في لبنان.


MISS 3