أحمد الأيوبي

إنتخابات "الشرعي الأعلى": التحرّر من الهيمنة والتمسّك بالشراكة الوطنية

22 آب 2023

02 : 00

تبدو عملية إصلاح الهيئات الناخبة صعبة (فضل عيتاني)

دعا مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان الهيئات الناخبة لانتخاب أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى باعتبار أنّ ولاية أعضاء المجلس الحالي تنتهي في 13/10/2023 ليفتح الباب أمام تجديد «برلمان المسلمين» في لبنان بعد انتخابات المفتين في طرابلس والشمال والبقاع وعكار وراشيا وهذا يدفع بالعديد من المطالب المرافقة لانتخابات المجلس وأهمّها تعديل وتطوير أعضاء الهيئات الناخبة في المناطق بالإضافة إلى تطوير العمل الوقفي والأهمّ التصدّي للشؤون الوطنية الضاغطة.

تعريف المجلس الشرعي وكيفية تأليفه

المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى «هو الهيئة المخوّلة سلطة إصدار النظم والقرارات والتعليمات التي يقتضيها تنظيم شؤون المسلمين الدينية، وإدارة جميع أوقافها الخيرية، ومراقبة تنفيذها، ومراقبة أعمال المديرية العامة للأوقاف الإسلامية، ودوائر الأوقاف في المناطق ومجالسها الإدارية ولجانها».

تقول المادتان 40 و41 من المرسوم الاشتراعي 18/1955: يتألف المجلس الأعلى من رئيس ونائب للرئيس ومن أعضاء طبيعيين وأعضاء منتخبين وأعضاء يعيّنهم مفتي الجمهورية، ورئيس المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى هو مفتي الجمهورية اللبنانية أما نائب الرئيس فينتخبه المجلس من بين أعضائه بالاقتراع سرّاً وبأكثرية الأصوات.... أما أعضاء المجالس المنتخبون فهم:

ــ ثمانية من محافظة بيروت وثمانية من محافظة الشمال، منهم واحد من عكار وأربعة من محافظة الجنوب، منهم ثلاثة من مدينة صيدا، وواحد من قضاءي حاصبيا ومرجعيون واثنان من كلٍّ من محافظتي جبل لبنان والبقاع، وتَنتخب كلُّ منطقة أعضاءها بواسطة الهيئة المنوط بها انتخاب المفتي المحلي، وأمّا الأعضاء الذين يُعيِّنُهم مفتي الجمهورية فإن عددهم يوازي ثلث عدد الأعضاء المنتخبين ويختارهم خلال أسبوع من تاريخ تصديق نتائج الانتخاب ويكونون من الفئات التالي بيانها:

ــ القضاة الشرعيون السنيون في محاكم البداية والمحكمة العليا من الدرجات الثماني العليا.

ــ القضاة العدليون والإداريون السنيون من الدرجات الخمس العليا.

ــ من ذوي الكفاءات العليا.

لجان المجلس

اللجنة القضائية: وهي تتألف من تسعة أعضاء وتنتخب هذه اللجنة رئيسها ونائبه من أعضائها وتجتمع في المواعيد التي يحدّدها رئيسها أو نائبه كلما دعت الحاجة إلى ذلك، ويكون اجتماعها قانونياً إذا حضر سبعة من أعضائها على الأقل، وتتّخذ قراراتها بأكثرية ستة أعضاء على الأقل، وتكون هذه القرارات نافذة كما هي الحال في قرارات المجلس الشرعي الأعلى إلا إذا تقدّم أحد أصحاب العلاقة بطلب إعادة النظر بقرار اللجنة من المجلس الشرعي الأعلى خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تبلّغه القرار.

اللجنة الإدارية والمالية: وهي تتألف من سبعة أعضاء ينتخبون الرئيس والمقرّر من بينهم، ويقوم المقرر مقام الرئيس عند غيابه وتناط بها دراسة الموازنات العامة والقضايا المالية ووضع التقارير للمجلس والتصديق على اقتراحات المجالس الإدارية بتعيين أرباب الوظائف الدينية والإدارية وفقاً للأصول المقررة في هذا المرسوم أو طلب إعادة النظر فيه من قبل المجلس الإداري.

اللجنة التشريعية: وهي تتألف من خمسة أعضاء ينتخبون رئيسهم ومقررهم من بينهم ويقوم المقرر مقام الرئيس عند غيابه، ويناط بها كل ما يتعلق بدراسة الأمور القانونية والتشريعية التي تكلّف من قبل المجلس بدراستها أو من مفتي الجمهورية.

لجنة الطعون والتأديب: تتألف من خمسة أعضاء ينتخبون منهم الرئيس والمقرر ويقوم المقرر مقام الرئيس عند غيابه، وتناط بها دراسة الشكاوى وكل ما يتعلق بمخالفات الموظفين والطعون المتعلقة بانتخاب أعضاء المجلس الشرعي والمجالس الإدارية والمفتين في المناطق.

تجربة المجلس الحالي: عوامل التعطيل والعجز

عطّلت جائحة كورونا عمل المجلس ولجانه فترة طويلة، ثم جاءت الأزمة الاقتصادية لتوقف الاجتماعات الدورية للجانه، وهي العمود الفقري للإنتاجية والقرار وتفعيل المصالح الوقفية وهذه التجربة تحتاج إلى تقييم ودراسة لتأمين مشاركة الأعضاء واستمرارية عمل اللجان، خاصة أنّ عدداً كبيراً من الأعضاء المنتخَبين قد لا يملكون القدرة المالية على تأمين الانتقال الدوري فيقتصر حضورهم على الجلسات العامة للمجلس، بينما يموت عمل اللجان ويغيب أثره في حياة المسلمين.

هذا التقييم يتوقّف عنده العضو السابق في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى وأحد أبرز من شغلوا عضويته والمتابع لشؤونه المحامي هُمام زيادة، فيشير إلى أهمية مراعاة جميع العوائق التي تحول دون تحقيق إنتاجية المجلس وتحرِّره من التبعيات والتأثيرات الضارّة التي تمنعه من القيام بمهامه وأبرزها الحفاظ على الهوية الإسلامية في وجه حملات التشويه وفرض الانحرافات واستهداف القضاء الشرعي بمشاريع ذات وجه مدني، وأخرى بعناوين الشذوذ وكلّ هذا ينبغي أن يكون حاضراً في عمل المجلس.

تحرير الهيئات الناخبة من السيطرة السياسية

إلاّ أنّ المسألة الأهمّ التي تحتاج إلى معالجة هي تعديل وتطوير أعضاء الهيئات الناخبة في المناطق، وهي هيئات سبق تعيينها في ظل السيطرة السياسية الأحادية لتيار المستقبل بينما حُرمت تيارات كثيرة وشخصيات وازنة من حقها في التمثيل نتيجة سيطرة اللون الواحد على أغلب الرقعة الانتخابية للمجلس، وهذه إشكالية سترتفع الكثير من الأصوات لمعالجتها مع اقتراب الانتخابات التي تحتاج إلى وجوه تتقن العمل وتمتلك القدرة على كسر الحواجز أمام التطوير.

ربما لا يعلم كثيرون أنّ مسألة تطوير العمل الوقفي المنوطة بالمجلس الشرعي، ترتبط بشبكة كبرى من المصالح القائمة على الاستيلاء التام على أراضٍ وقفية من محسوبين على جهات سياسية تتوزّع النفوذ مع تيار المستقبل في المناطق، أو بالاستيلاء التحايلي من خلال استغلال النفوذ لاستثمار العقارات الوقفية بأبخس الأثمان، ما يحرم الأوقاف والعلماء والخطباء ومدرّسي التعليم الديني من حقوقهم ويجعلهم يعانون المرارات أثناء تأدية واجباتهم الوظيفية والدعوية.

لهذه الأسباب تبدو عملية إصلاح الهيئات الناخبة صعبة وتحتاج إلى الكثير من العزيمة والمصداقية وهي صفات يتمتع بها سماحة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان لكنّ حقول الألغام التي تحيط به قد تمنعه من تحقيق المطلوب في هذا المجال، لكن الواقع يؤكد أنّه بدون هذا الإصلاح ستكون انتخابات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى استمراراً للأزمة ومراوحة في الانتظار.

أمّا العنوان الأخير الذي يفرض نفسه، وهو مرتبط بتحرير الهيئات الناخبة أيضاً، فهو التوجّه نحو تأكيد الشراكة الوطنية وعدم التأثّر بالحسابات السياسية الضيقة لمن اختار الانعزال والمقاطعة، خاصة مع تعاظم التحديات الوطنية الكبرى الموجبة لاستعادة هذه الشراكة في وجه ما يفرضه تغوّل تحالف السلاح غير الشرعي مع أقطاب الفساد في البلد.


MISS 3