رفيق خوري

سلطة لمشروع كبير أم سلطة للسلطة بلا حلّ؟

29 نيسان 2020

09 : 58

كان جاك بيرك يقول عن الرئيس فرنسوا ميتران انه، "يجد لكل مشكلة مذنباً ولا يجد حلاً". ومثل هذا ما كان ولا يزال من تقاليد الأداء على المسرح السياسي اللبناني. ولم يكن خارج المألوف، حتى في أخطر تراكم للأزمات النقدية والمالية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والوطنية، ان يرتفع الصخب والغضب في اللعبة التقليدية على المسرح: تبادل الاتهام بالمسؤولية عن الأزمات، والتلاعب بالمسؤولية عن إيجاد الحلول.

وليس في الاتهامات ما يجهله أصحابها عندما كانوا شركاء في المال والسلطة. فالمذنب بالنسبة الى العهد هو أهل "التركة الثقيلة" على مدى ثلاثين سنة. وهو عند المعارضين والشركاء السابقين العهد و"حزب الله". جمعية المصارف تغسل يديها كأنها جمعية خيرية وتتهم التركيبة السياسية الحاكمة بأنها صنعت الأزمات. وأهل السلطة يسلطون الأضواء على دور مصرف لبنان والمصارف في سوء الأمانة.

وقمة المشهد كانت قراءة الرئيس حسان دياب لمضبطة اتهام في حق حاكم المصرف المركزي رياض سلامة. وهذه غلطة في الأداء، لا في الأساس.لان الحاكم بين الكبار من المذنبين. فالمثل يقول: "اذا ضربت ملكاً اقتله"، ورئيس الحكومة ضرب "الملك" من دون ان يكون قادراً على "قتله" اي محاكمته وإقالته. والكل يعرف ان التجديد لسلامة في العهد الحالي كان غلطة لها ثمن. وإقالته في عز الأزمات غلطة لها ثمن. وهذه في السياسة " اكبر من جريمة، انها غلطة"، حسب تاليران.

ذلك ان ثقة الناس بالسلطة مفقودة. ومن الصعب إقناع الناس بان مكافحة الفساد مسألة ذات صدقية ضمن مشروع إصلاحي متكامل، لا مجرد سلاح ضد خصوم. فأكبر حماية للفساد هي الفساد نفسه. كل فاسد فوقه فاسد أكبر منه يحميه. والفاسدون شبكة مترابطة في القطاعات السياسية والمالية والادارية يتولى أفرادها حماية بعضهم بعضاً، لأن تفكيك حلقة يقود الى تفكيك بقية الحلقات ما دام كل طرف يعرف ما ارتكبه الطرف الآخر خلال الشراكة وبعدها وقبلها.

لكن الانطباع السائد هو ان اللعبة أكبر. والسؤال، وسط السيناريوات الشائعة، هو: هل ما نراه مجرد تخبط في خطوات بلا حساب لما بعدها أم تمهيد لتغيير النظام او اقله الإمساك بكل السلطة؟ هل نحن امام محاولة للقطع مع ماضي "كليبتو قراطية" ام ان أصحاب الحكومة دفعوا رئيسها البروفسور ليلعب دوراً واحداً ممن وصفهم لينين بانهم "المجانين المفيدون" من اجل توظيفه في مشروع كبير؟

مهما يكن، فان السلطة للسلطة من دون حل للأزمات هي قمة الجنون السياسي.


MISS 3