نوال نصر

280 حرفاً تختصر كل اللعبة!

توتر وتوتير... وزقزقات "تويتر" أقوى من السياسيين

24 تموز 2019

08 : 28

أيام "ستي وستَك وسِتِك" كانت الثورة بحاجة الى عضلات شباب وعقل مخضرمين أما اليوم فتحتاج الى حاسوب وحساب تويتر والقدرة، بنقرةِ أصبع، على جعل "حساب البيدر" ينطبق مع "حساب الحقل" وتويتر هذا العصر خلق "توتراً" و"توتيراً"، واستسهل التعبير عن مكنونات القلب والعقل، ورفع كلمات، زلّت بها الألسن، من دون أن تنطق... تيجاناً...أو أسقطها الى ما تحت تحت الأرض! فماذا بعد عقدٍ على استعانة كثير من الرؤساء والقادة والسياسيين "بمستر تويتر"؟

كان مستشارو الرؤساء أوّل من همسوا في آذانهم: "زقزقوا". وكانت البداية التي أحبها كثيرون وباتت قبل الخبز صباحاً. هناك سياسيون يرسلون مع كل فجر "لطشة سياسية" بدل "صباح الخير" ولا يغطون في نومٍ هانئٍ هنيئ إلا بعد أن يرموا سهماً من 280 حرفاً في اتجاه ما. تبدلت أدوات اللعبة كثيرا. لكن تويتر، بعد عشر سنوات، في المرصاد، فرض إجراءات جديدة للجم التغريدات التي تعتمد خطاب الكراهية! تويتر أقوى (يا عالم) من السياسيين.

فهل تتصورون أيها السياسيون الدنيا بلا "زقزقات" أو مع "زقزقات" فيها خطوط حمر؟

وليد جنبلاط، بذبذباتِهِ اللاقطة، قرر أن يلجم نفسه بنفسِهِ مغرداً في 26 حزيران، بعد عراكٍ إلكترونيّ مع تيار المستقبل، بوعدٍ: "قررتُ إستخدام الطرق التقليدية للإتصال. هي أضمن وأدق وتسمح بالمراجعة والتفكير. وسأكتفي بالمواقف العامة". فهل تغريدة زعيم الجبل أتت في لحظة "توتر" وسيعود ويُطلق العنان لتغريداتٍ من العيار الثقيل؟

مفوض الإعلام في "الحزب التقدمي الإشتراكي" رامي الريّس يقرأ في موقف بيك المختارة: "وليد جنبلاط "يغرّد" لأنه يُدرك ضرورة بعث رسائل معينة، بسرعة البرق، لكنه شعر في الآونة الأخيرة أن تأثير اقتحام تويتر حياتنا سلاح ذو حدين. وهو يُدركُ تماماً حساسية هذه الوسيلة لذا يختار كلماته بعناية ويدرس كل عبارة يريد أن ينشرها".

ماذا عن "زقزقات" قائد "القوات اللبنانية"؟

سمير جعجع، الحكيم، يواكب وسائل التواصل الإجتماعي في شكل عام ويتلمس من خلالها مزاج الناس. إنها بمثابة استفتاء على الحس العام ونبض المواطنين. ويرى في "تويتر" نافذة لا بُدّ منها من أجل تسجيل موقف أو بعث رسالة قصيرة، وفق معادلة "ما قلّ ودلّ"، من دون الحاجة الى وسائل إعلامية تقليدية وخطابات "طويلة عريضة" ومصطلحات تستخدم فيها كل حروف الأبجدية. بالنسبة إلى الحكيم، اللجوء الى "تويتر" يختصر بأمرين: الأول، ضرورة التغريد في لحظة معينة لإيصال رسالة معينة، ويقين رئيس القوات ثانياً أن الناس باتوا بحاجة الى قراءة القصص القصيرة لا المطولات، وثقته هائلة في "أن الإيجاز خلاصة الأذكياء" وهو يستعين بفريق عمله في "التغريد".

في رصيد سمير جعجع "التويتري" 481 الف متابع و7205 تغريدات. وفي رصيد جبران باسيل 375 ألف متابع و17 ألف زقزقة. باسيل أكثر "المغردين" حتى على تويتر فهو يضاهي بعدد زقزقاته تغريدات سعد الحريري الذي يتجاوز عدد متتبعيه المليون. جبران باسيل لا يثق في أن السكوت من ذهب.

نعود الى وليد جنبلاط الذي أكثر ما يُحبّ في تويتر هو تحديد عدد الأحرف المسموح بها. وهذه الخاصية يراها "البيك" ميزة لأنها تلائم أسلوبه في بعث الرسائل القصيرة، بكلماتٍ قليلة. تويتر يتلاءم مع طريقة تفكير البيك. لكن، عشق وليد جنبلاط للرسائل القصيرة لا ينطبق على عشقه للقراءة ولا لقيادة سيارته بنفسه. هو يُمسكُ بكتابٍ، يلتهمه بعينيه، وهو جالسٌ دائما. ويهدي الكتب ويتابع المجلات الأجنبية والصحف الغربية ويقرأ باللغتين الفرنسية والإنكليزية وبالعربية أحياناً. وهو يدأب على إرسال البريد الإلكتروني "الإيميلات" الى أصدقائه بأي مادة يجدها مفيدة أو مقال أو حتى صورة. وهو قدم الى المساجين 500 كتاب وحوّل، كما تعرفون، سجن بعقلين الى مكتبة وطنية.

فلنترك وليد جنبلاط يزقزق، كما يُحب، في الشؤون العامة.

نبيه بري، دولة الرئيس، لم يقتحم حتى اللحظة تويتر. وهو يُحبذ التغريد التقليدي. أما ميشال عون، فخامة الرئيس، ففتح حسابا (أو فتح له حساب) باسم "الجنرال ميشال عون"، يتتبعه 244 ألف شخص، أما هو فلا يتتبع تغريد أحد حتى جبران (وزير الخارجية).

الدكتور فارس سعيد نشيط جداً. يبدأ التغريد قبل صياح الديك ويصل معدله أحياناً إلى 13 زقزقة في اليوم الواحد. سامي الجميل 9203 زقزقات في حسابه. جميل السيّد 1756 زقزقة. وهو يتتبع مصطفى حمدان. أما جبران (باسيل) فيتتبع هشام حداد.

زمان، كان المثل الشائع: "قلْ لي من تعاشر أقلْ لك من أنت". تبدل الزمان وتبدلت وسائل الإتصال. مهى زراقط، الزميلة - الدكتورة والأستاذة في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية سألت في دراسة أعدتها: ماذا بدل الوسيط الجديد (تويتر) في طبيعة الإتصال السياسي في لبنان؟ وخلصت الى أن فعل "غرّد" بات مرادفاً لفعل "أعلن" أو "أصرّ". وتويتر شكّل منصة إعلانية وأداة استطلاع للرأي وتسويقاً للسياسيين الذين طبقوا معادلة: كن بسيطاً... كن مؤثراً... ضع صوراً... واللافت أن "السياسيين تصرفوا معه كما فعلوا مع وسائل الإعلام التقليدية معتمدين الإثارة".

لكلِ عصرٍ أسلوبه. الخميني صنع الثورة الإيرانية بالكاسيت. كان يتحدث عبر الشريط ويوزعه في كلِ أرجاء إيران. كان تواصلاً من طرفٍ واحد، تلقيماً بلا نقاش. تبدلت المعادلة اليوم وباتت تفاعلاً من الجانبين. وكم يفرح "المتابعون" حين يضع لهم، من يناقضهم في السياسة، "بلوك". فرحٌ إستثنائي شعر به جيلبير حين وضع له جميل السيد "بلوكا".

سياسيو المقلب الثالث من العمر يستذكرون زمن بيار الجميل وكميل شمعون وصائب سلام وكمال جنبلاط وريمون إده، زمن الصالونات السياسية القديمة، المفتوحة، التي كانت تجمع الناس مع "زعمائهم".

وكان الزعيم يُصغي الى طلبات المواطنين المباشرة ويوعز بتلبيتها الى "سكرتيره الخاص". لم يكن للزعماء قديماً مستشارون بل "سكرتير خاص". أقفلت اليوم الصالونات القديمة ولم يبقى منها إلا صالون وليد جنبلاط في المختارة. أتى تويتر ليُشكّل متنفساً آخر للجمهور وللزعماء، فيه نقاش و"أخذ وعطا"، لا مجرد تلقٍ وإصغاء. لكن في تويتر أيضا "بلوك حرزان". وجميل السيّد يُحلّق في عدد "البلوكات" التي يُحققها يومياً.

تسلق "المستشارون" عتبات البيوت الكبيرة والقصور، وأنشأوا الحواجز بين السياسي أو الزعيم وبين ناسه. تويتر "فشّ" خلق الإثنين لكنه عاد يُحدد، تدريجياً، الأصول.

سؤالٌ يلحّ الآن: هل إصابات تويتر أقوى من سلاحٍ يدويٍّ فتاك؟

سعد الحريري أول السياسيين حضوراً على تويتر. وليد جنبلاط اقتحم هذا العالم بعده بخمس سنوات. سمير جعجع افتتح صفحته في آب العام 2010. بلال عبدالله، عضو اللقاء الديموقراطي، انتسب الى هذا العالم "التغريدي" الافتراضي في 2015 وفي كلّ مرة "زقزق" أحدث جلبة ثم محا، غالباً، ما كتب.

ها هو قد غرّد للتوّ (23 تموز الساعة التاسعة) "ربما آن الأوان لتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية كي يأخذ كلّ حجمه ولا "يكررون" الكتلة النيابية الأقوى والكتلة الوزارية الأقوى". تغريدة صباحية تصيب مباشرة.

يشعر اللبنانيون، رواد "تويتر"، ممن يُغردون يومياً، بقيمة إضافية وهم يقرأون الزعيم والسياسي والرئيس والعدو والصديق وهم يخبرون ما فعلوه للتوّ: إلتقيتُ اليوم... إتصلتُ اليوم... فعلتُ اليوم...

سياسيو لبنان اقتحموا تويتر منذ عشرة أعوام، واللبنانيون اقتحموا سور السياسيين العالي، وأكثر ما يعجبهم هي "المعارك السياسية" التي تدور رحاها بين حسابات السياسيين...

تويتر هو ملعبُ السياسيين في ساعات الفراغ، كما في ساعات الذروة، واللعبُ فيه يشتدّ ويبهت، يذهب يميناً أو يساراً، مدّاً وجذراً، لكنه يبقى جميلاً! اللعبُ بالكلام، كما بالملفات، من شيَم السياسيين، معظم السياسيين، يا "أهل البلد". ودمتم.


MISS 3