الحلم بالمقلوب

واحد من الأوصاف المرتبطة بالرئيس الشهيد بشير الجميّل: الرئيس الحلم، أو حلم الـ 10452 كلم2. صدى كلماته يتردد في الذاكرة المثقوبة: «أنا من الأشخاص اللي تعودت أحلم وحقق أحلامي». في هذه الفترة الواقعة بين 23 آب و14 أيلول، يستذكر محبّوه، من بيئته ومن البيئات اللبنانية الأخرى، الأحلام التي زرعها في قلوب الشباب وعقولهم حول دولة الغد القوية بمؤسساتها الشرعية وجيشها وعلاقاتها الدولية والعربية. دولة تشكل النقيض لدولة المزرعة السابقة ولدولة الفساد الحالية. رفيق الحريري كانت لديه أيضاً أحلام كبيرة وإمكانات ومخططات. أحلام الرجلين قابلة للتحقق ذات يوم؟ أو هي أحلام مكسورة وتُجهض كل يوم؟

ثمار الحلم تكون دائماً معلّقة على أغصان المستقبل وفي حالنا تبدو معلّقة على حبال الماضي والمستحيل. نحن اليوم يا بشير نحلم بالمقلوب. أكنّا معك أو ضدّك الأمر سيّان. نريد العودة إلى زمن بعيد ولّى. بقوة نريد.

في السنة 2023 نحلم اليوم بترامواي بيروت، إذ لا أمل برؤية باصات حميّة الفرنسية تجوب المناطق اللبنانية.

نحلم بالعشرة قروش التي كانت تشتري لنا كعكة أصغر بقليل من كعكة أبو عرب، وبالـ 65 قرشاً التي سمحت لنا بالتمتع بـ «امرأة لكل الرجال» (شمس البارودي ورشدي أباظة) كنا نحلم بمطاردة صوفيا لورين وبريجيت باردو وإليزابيت تايلور من دار لدار ولا نزال.

نحلم برؤية الفرقة 16 تداهم مكتب بارولي في تحويطة الغدير.

نحلم بتمضية يوم مشمس على شاطئ الأوزاعي.

نحلم بكعكة كنافة من عند الصمدي بمتناول الجيبة والفكين.

نحلم بسماع صوت شفيق جدايل يخبرنا عن صاحب الثروة والحظ والسعادة الذي فاز بجائزة اليانصيب الأولى بخمسة وعشرين ألف ليرة.

نحلم ان نفلت في شارع الحمرا، مختبر الحداثة والعصرنة.

نحلم اليوم بكهرباء العام 1970. عدا إشعاع جورجينا.

نحلم، باستعادة طفولة ولو من خلال سرقة رؤوس البطيخ، وهي بعد عجراء، من سهل فلاح كادح.

نحلم بجرس كنيسة طبيعي لا على الكهرباء، وليس بالضرورة أن يعانق صوت الجرس أصوات المآذن.

نحلم باستعادة الطاقم السياسي القديم: كامل بك. كمال بك. صائب بك. الشيخ بيار، العميد العنيد. رشيد أفندي. المير مجيد ونحلم بالتمديد للرئيس كميل شمعون وبعودة السان جورج ملتقى السياسيين ومرتع الإستخبارات.

نحلم اليوم بطعم الإطمئنان مع نكهة طفر.

نحلم وعيوننا تتطلع إلى الوراء.

ما كان السفر أولوية على أجندتنا. أبعد سفر كان على متن صوت فيروز.

كنا نحلم أن يبقى أولادنا حدنا. لا أن يبقوا واولادهم حيث هم الآن في دبي وكيبك وبرلين وسيدني وأمس كأني سمعت أحدهم يقول لابنه: «بليز يا بابا ما تفكروا ترجعوا، بما أن بشير مش راجع». تغير الزمن. تغيرت الأحلام. صرنا نحلم بالمقلوب.

• بشير الجميل