"الدولة الإسلامية" ما زالت صامدة في أفغانستان!

02 : 00

شعر أحمد (26 عاماً) بالإرهاق والدوار. كان الطقس في قندهار حاراً وقد عملت وحدته المؤلفة من 50 رجلاً على مدار الساعة في آخر ستة أيام وليالٍ. كانت المديرية الوطنية للأمن، أهم وكالة استخبارية في أفغانستان، تُخطط لهذه العملية منذ فترة وقد أدرك أحمد منذ البداية أن المخاطر عالية. تكشف مصادر استخبارية مطّلعة أن قادة "الدولة الإسلامية في محافظة خراسان"، وهي الفرع المحلي للجماعة السلفية المسلّحة، كانوا يجتمعون في قندهار لمناقشة مستقبل الجماعة.

خلال الأشهر الماضية، وبعد عملية عسكرية مطوّلة ومشتركة بين الولايات المتحدة وأفغانستان، خسر هذا الفرع معقله الأساسي في نانغارهار، بالقرب من الحدود الباكستانية. قُتِل معظم قادة الجماعة أو تم القبض عليهم، وتوارى عدد كبير من عناصرها عن الأنظار. فضّل آخرون الانتقال إلى محافظة كونار المجاورة أو هربوا عبر الحدود باتجاه باكستان. لكن رغم هذه الخسائر الكبرى، تابعت "الدولة الإسلامية في محافظة خراسان" عملياتها.

في آذار الماضي، نظّمت هجومَين إرهابيَين في كابول ضد الجماعات الشيعية والسيخية، ما أسفر عن مقتل أكثر من 50 شخصاً. صحيح أن هذه الجماعة ضعفت بدرجة كبيرة، لكنها لم تُهزَم بأي شكل.

في 4 نيسان، كانت وحدة أحمد تستعد للمرحلة الأخيرة من عمليتها. يعمل أحمد لصالح القوات الخاصة منذ سبع سنوات، وقد أمضى آخر أربع سنوات وهو يحاول إلقاء القبض على قادة "الدولة الإسلامية في محافظة خراسان".

بعد أيام من العمليات المتواصلة، اعتقلت المديرية الوطنية للأمن أكثر من 12 عنصراً رفيعي المستوى في التنظيم في قندهار. وفي 4 نيسان، كان أحمد يقف أمام منزل أساسي في تلك العملية: إنه مخبأ الباكستاني إسلام فاروقي المعروف أيضاً باسم عبدالله أوراكزاي، وهو زعيم "الدولة الإسلامية" في أفغانستان.

يقول أحمد: "كان ذلك المنزل القروي عادياً. حطّمنا الباب! كانوا يعرفون أننا مدججون بالسلاح، لذا لم يقاوموا مطلقاً. وحين شاهدوني وشاهدوا قواتنا العسكرية، سلّموا أنفسهم لكنهم بدوا متفاجئين. كانت الغرفة صغيرة ومليئة بالأسلحة والمتفجرات. حين كبّلتُ فاروقي، أخذتُ نفساً عميقاً. كنت فخوراً بإنجاز الوحدة التي أنتمي إليها".

سرعان ما أصبح إلقاء القبض على رئيس "الدولة الإسلامية في محافظة خراسان" من أهم عناوين الأخبار. كان فاروقي زعيم الجماعة منذ تموز 2019 وقد نجا من اعتداءات حديثة ضد التنظيم. إلى جانب فاروقي، ألقت القوات الأفغانية القبض على 19 عنصراً بارزاً آخر خلال عمليات متعددة في قندهار.





صرّح مسؤول في المديرية الوطنية للأمن لصحيفة "ذا ديبلومات" من دون أن يفصح عن هويته: "أظن أن "الدولة الإسلامية في محافظة خراسان" خسرت قيادتها في الوقت الراهن. لكن يملك العناصر مخابئ لهم في كل مكان. قد لا يستفيدون من وحدات متأهبة بالكامل لتنفيذ العمليات، لكنهم يتكلون على وحدات فردية. لا يملك التنظيم أي قاعدة أو مركز قيادة في أفغانستان. لهذا السبب، قصد فاروقي قندهار. هو أراد تعبئة القوات مجدداً. بناءً على معلوماتنا الاستخبارية، بدأ عدد من المقاتلين ينتقل إلى كونار، ويختبئ البعض الآخر في نانغارهار، لكن لا وجود لمكان واحد لقيادة العناصر".

ظهر أول الأعلام السوداء في محافظة نانغارهار الأفغانية في العام 2015، بعد سنة على إعلان أبو بكر البغدادي نفسه خليفة "الدولة الإسلامية" في العراق. في العام 2014، شهدت هذه المنطقة تدفق أعداد هائلة من اللاجئين من باكستان غداة عملية أطلقها الجيش الأفغاني ضد الجماعات الإسلامية المقاتلة في شمال وزيرستان.

وجد عدد من المقاتلين ملجأً لهم على الجهة الأخرى من الحدود وكانوا أعضاءً من حركة "تحريك طالبان باكستان". وفق بعض المصادر، شـــكّل جزء منهم لاحقاً محور قيادة "الدولة الإسلامية في محافظة خراسان".

ثم انضم إليهم بعد وقتٍ قصير عدد من الجماعات المقاتلة الداخلية والمقاتلين الأجانب وبعض عناصر "طالبان" المحليين. يصعب تحديد أعداد المنتسبين إلى هذه الجماعة بدقة، لكن زعمت الأمـم المتحدة في صيف العـام 2019 أنها تشمـــــل بين 2500 و4 آلاف مقاتـل في أفغانستان.على مر السنين، نجحت هذه الجماعة في السيطرة على مساحات واسعة من محافظتَي نانغارهار وكونار، وساعدتها طبيعة الجبال وبُعد المنطقة نسبياً على توسيع سيطرتها من دون مواجهة عوائق كبرى. سرعان ما وصلت إلى مناجم محلية وطرقات تجارية متّصلة بباكستان، ما ساعدها على الصمود رغم هجوم "طالبان" والجيش الأفغاني والضربات الجوية الأميركية.

صرّح كبير محللي الشؤون الأفغانية في "مجموعة الأزمات"، أندرو واتكينز، لصحيفة "ذا ديبلومات": "تتمتع الدولة الإسلامية بنوعَين مختلفين من القدرات لشن العمليات الهجومية. أحدهما مرتبط بإمكانات عسكرية أو قدرات تقليدية في ساحة المعركة. هذه الجماعة هي عبارة عن قوة متمردة تستعمل تكتيكات العصابات، لكن لطالما كانت قدراتها العسكرية محدودة في شرق أفغانستان. لكنها تتمتع أيضاً بقدرة شبه منفصلة على تنظيم الاعتداءات المعقدة، بما في ذلك التفجيرات الانتحارية في كابول".

طوال سنوات، نفذت "الدولة الإسلامية في محافظة خراسان" عشرات الاعتداءات القاتلة ضد المدنيين في أنحاء أفغانستان، وكانت جماعة الهزارة الشيعية المحلية التي تعتبرها كافرة من أبرز الجهات المستهدفة. لكن نشرت "الدولة الإسلامية" الخوف أيضاً بين الجماعات المحلية في نانغارهار، وتجاوزت وحشيتها كل ما عايشه ضحاياها يوماً.

كان ناصر (40 عاماً) يعمل كمزيّن شعر في منطقة خوجاني في نانغارهار حين استولت "الدولة الإسلامية في محافظة خراسان" على بلدته. لا يزال يحمل ندبة خلّفتها رصاصة أصيب بها قبل مغادرته المكان، وهي تُذكّره دوماً بالمحنة التي واجهتها عائلته. جلس على الأرض في بيت من طين في مخيّم للنازحين في كابول مع زوجته وأولاده. حين يتكلم، تمتلـئ عيناه فوراً بالدموع.

عندما وصلت "الدولة الإسلامية" إلى بلدته، لم يتغير الوضع كثيراً في البداية، بل تابع الناس هناك أعمالهم بشكلٍ طبيعي. لكن ظهرت المحظورات الأولى تدريجاً. منعت هذه الجماعة زراعة الخشخاش الذي كان مصدر الدخل الوحيد لعدد كبير من سكان البلدة. وبعد وقتٍ قصير، بدأ الرعب الحقيقي.

يتابع ناصر قائلاً: "كان رجل اسمه نعمت يعيش هناك ولديه سبع بنات. حين ولدت زوجته صبياً بعد طول انتظار، أطلق النار في الهواء ابتهاجاً. ثم حضر عناصر "داعش" وسألوه عن ما حصل، فشرح لهم أنه رُزِق بابن للتو. فأخذوا الطفل منه. حمل كل واحد منهم الطفل من أحد ساقيه ثم فسخوه أمام والديه".





كذلك، بدأت السلطات الجديدة تبحث عن جواسيس يعملون لصالح "طالبان"، فجاؤوا إلى ناصر أيضاً. حين قال إنه لا يعرف المتعاونين مع "طالبان" في البلدة، أطلق عليه المقاتلون النار في ساقه. ثم قتلوا ابنه البالغ من العمر 20 سنة أمامه وأحرقوا منزله. مات ابنه حديث الولادة في الحريق: "لهذا السبب غادرنا البلدة. لم يعد ذلك المكان قابلاً للعيش. دخلتُ إلى المستشفى بسبب إصابتي وجلب أقربائي زوجتي وأولادي سراً. اكتفينا بأخذ الملابس التي كنا نرتديها وغادرنا. لم نعد نملك شيئاً منذ ذلك الحين".


يقول واتكينز إن "الدولة الإسلامية في محافظة خراسان" لم تحاول يوماً التقرب من سكان المناطق التي استولت عليها، كما أنها لم تقدم لهم أي خدمات ولم تنقل أفكارها الإيديولوجية إلى الأفغان. حتى أن طبيعة الأفكار المتطرفة التي طبّقتها "الدولة الإسلامية" في أفغانستان كانت غريبة بنظر أكثر الأفغان تحفظاً.

بعد اعتقال فاروقي في بداية شهر نيسان، زاد الأمل في إضعاف قدرة الجماعة على تنظيم اعتداءات جديدة في أفغانستان. لا أحد يستطيع التأكيد بعد على تعيين قائد جديد للتنظيم في البلاد. لكن بعد خمسة أيام فقط على اعتقال فاروقي، أعلنت الجماعة مسؤوليتها عن إطلاق خمسة صواريخ ضد قاعدة "باغرام" الجوية، وهي القاعدة الأميركية الأساسية في أفغانستان. يضيف واتكينز: "في آخر خمس سنوات، ادّعت الولايات المتحدة أنها قتلت عدداً من قادة "الدولة الإسلامية في محافظة خراسان" عن طريق الضربات الجوية والعمليات الخاصة. لكن لم تكن العمليات السابقة التي قتلت أو أسقطت قادة الجماعة كافية لنسف قدرتها على استهداف كابول وشن اعتداءات جماعية قاتلة. على غرار مقتل القادة أو اعتقالهم، لا تعني الخسائر في ساحة المعركة بالضرورة تغيّر قدرة الجماعة على تنظيم اعتداءات انتحارية أو هجوم ضد المدنيين. لكن تكشف هذه المؤشرات كلها أن "الدولة الإسلامية" هناك تواجه مصاعب كبرى".


MISS 3