رفع رئيس الهيئة الإتهامية في بيروت القاضي ماهر شعيتو أمس، المسؤولية عمّا اقترفه من هفوات وثغر خلال نظره في الطعن المقدّم أمامه من ممثلة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضية هيلانة إسكندر في 29 من شهر آب الجاري، وأدّت إلى ترك الحاكم السابق لمصرف لبنان رياض سلامة المعاقب دولياً، حراً طليقاً إلى جانب «رفاقه في المنظومة» من الذين اتخذوا من مخاصمة الدولة، والإمعان في تعطيل السلطة القضائية، ذريعة للإفلات من العقاب.
فبعدما كان من المنتظر أن يعمد رئيس الهيئة الإتهامية إلى إصدار مذكرة توقيف غيابية في حق سلامة، بُعَيد تغيّبه عن حضور جلسة محاكمته في 29 آب، مهّد القاضي شعيتو الطريق أمام وكيله القانوني المحامي حافظ زخّور، لإستكمال الإجراءات المطلوبة وتقديم دعوى مخاصمة عن أعمال القضاة في حق الهيئات الإتهامية الثلاث الناظرة في ملف سلامة.
وهذا ما أدّى حكماً إلى رفع اليد عن «فظائع» سلامة المالية، رغم الإعتراضات التي سجلتها القاضية إسكندر، ومطالبتها بإصدار مذكرة توقيف في حق الحاكم السابق سلامة، وذلك قبل انضمام ملفه إلى ملف التحقيق في تفجير المرفأ. وتالياً تعليق مصيره إلى ما بعد إنضاج التوافق السياسي وإعادة تكوين السلطات في لبنان، والتي تبدأ مع انتخاب رئيسٍ للجمهورية ولا تنتهي في بتّ التشكيلات القضائية.
وأمام عدم إكتمال الهيئة العامة لمحكمة التمييز التي تقدّم أمامها المدعى عليه رياض سلامة بدعوى مخاصمة في وجه الهيئة الإتهامية في بيروت المؤلفة من القضاة ماهر شعيتو رئيساً، وجوزف بو سليمان وكريستل ملكي مستشارين، تقدّم القضاة الثلاثة، شعيتو وملكي وبو سليمان، من الرئيس الأول لمحكمة إستئناف بيروت بطلب «التنحي عن النظر في هذه الدعوى نظراً لما يخلّفه إستمرار الواقع الراهن من حالة حرج لدينا، ولا سيما في ضوء ماهيّة الدعوى»، وفق ما ورد في الطلب الذي وقّعوه، والصادر بتاريخ31 /8 /2023.
وعلى الرغم من الإرتباك الذي يضيفه هذا التنحي إلى المسار القضائي لسلطةٍ تتناتشها مصالح القوى السياسيّة، اعتبر «نادي قضاة لبنان» أن «تعطيل السير بالملفات القضائية بهدف عرقلة العدالة عبر تقديم دعاوى المسؤولية أمام الهيئة العامة لمحكمة التمييز - المعطَّلة بدورها - هو حلقة في مسلسل طويل يشهده اللبنانيون منذ زمن، وقد ترسّخ في قضية المرفأ وامتد إلى غالبية الملفات، خصوصاً تلك المتعلّقة بالجرائم المالية ومكافحة الفساد، والغاية معلومة، وهي الحؤول دون النتيجة المرجوة عبر التعسّف في استعمال حق التقاضي، بحيث أمسى هذا الحق مطيّةً للتفلّت من العقاب».
وفي هذا السياق، أوضح المحامي الدكتور سعيد مالك أنه «يجوز للقاضي إذا إستشعر بالحرج أن يعرض تنحيه سنداً لأحكام المادة 122 من قانون أصول المحاكمات المدنية»، في المقابل لفت إلى أن الأخطاء التي ارتكبتها الهيئة الإتهامية برئاسة القاضي شعيتو، تتمثل بشقين:
- الأول: مخالفة نصّ المادة 137 أصول محاكمات جزائيّة، حيث كان يفترض بالهيئة الإتهامية أن تصدر قرارها الجامع ما بين الشكّل والأساس، بقرارٍ واحد، بقبول الإستئناف شكلاً وأساساً، وبفسخ قرار قاضي التحقيق الذي هو موضوع الطعن، أو بالتصديق عليه. بالتالي، قبوله بالشكل وتعيين جلسة من أجل الإستماع إلى حاكم المركزي، قد أعطاه ومنحه فرصة من أجل أن يتحضّر للتقدم بدعوى مخاصمة الدولة، ما أدى إلى وقف سير التحقيقات راهناً.
- الثاني: الخطأ الثاني يفوق الأول، وهو مخالفة نص المادة 138 أصول محاكمات جزائيّة، التي تنصّ على انه إذا إستأنفت المدعية قرار الترك، على الهيئة أن تبت هذا الإستئناف خلال مهلة 24 ساعة. وبالتالي، عدم البتّ خلال مهلة 24 ساعة، وترك الأمور على حالها لأكثر من 10 أيام، يعدّ أيضاً أمراً مخالفاً لنص المادة 136 أصول محاكمات جزائيّة.
وإعتبر مالك أن اتباع هذه الإجراءات أدى إلى منح رياض سلامة متسعاً من الوقت لبناء تحصيناته، والتقدم بالدعاوى التي أدت إلى وقف السير بالمحاكمة، ليعود ويؤكّد أنّ طلب التنحي الذي تقدم به شعيتو، يهدف إلى التهرب ورفع المسؤولية عنه، لا أكثر ولا أقل!
وعن مصير التحقيق في الملفات المالية وتلك المرتبطة بسلامة، توقّف مالك بأسف أمام هذا الواقع، مؤكداً أن تعيين أي هيئة جديدة مستقبلاً ستقابل بالأسلوب نفسه الذي اتبعه رياض سلامة، لناحية تقديم طلب مخاصمة بوجهها، وبالتالي وقف أعمال هذه الهيئة، عملاً بأحكام المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية.