رفيق خوري

معركة تمديد في حرب تحرير

2 أيلول 2023

02 : 00

لا شيء رافق التحولات في لبنان أكثر من القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي. من القرار 425 عام 1978 الى القرار 1701 عام 2006، وبينها سلسلة قرارات أساسية. ومن دور الشاهد، بدل دور اللاعب، على تعدد الأطراف التي حولت الجنوب اللبناني بالقوة الى «جنوب إقليمي ودولي». وليس أمراً قليل الدلالات أن يصبح التمديد السنوي لقوات «اليونيفيل» معركة بعدما كان يتم بشكل روتيني. فما يريده مجلس الأمن ليس فقط حرية الحركة للقوات الدولية بل أيضاً بسط الدولة سيادتها وتوسيع نشر الجيش. وما كان ولا يزال سؤالاً تاريخياً عن أي لبنان نريد، صار له ملحق هو: أية قوات دولية نريد؟ ذلك ان الخلاف على بعض النص في قرار التمديد هو تعبير عن خلاف أعمق على الدور المطلوب للقوات الدولية ومنها، وبالتالي على الهدف الذي يخدمه الدور. منطق القرار 1701 هو الإنتقال من «وقف الأعمال العدائية» كمرحلة أولى الى «الوقف التام للنار» كمرحلة ثانية نهائية. لكن منطق الصراع حال دون «التطبيق الكامل للقرار بكل مندرجاته». أقوى طرفين بين اللاعبين لا يريدان التطبيق الكامل للقرار حفاظاً على حرية الحركة لكل منهما. وأضعف طرفين لا يستطيعان تطبيقه وإن كررا باستمرار إلتزام التطبيق. وما يضمن الهدوء في الجنوب، بصرف النظر عن خرق إسرائيل للخط الأزرق براً وجواً، ليس وجود «اليونيفيل» بل ما يسمى «توازن الردع» بين المقاومة الإسلامية وإسرائيل وحسابات اللعبة الجيوسياسية والإستراتيجية بين إسرائيل و»محور المقاومة» بقيادة إيران.

ومهما يكن، فإن معركة التمديد التي انتهت في نيويورك بامتناع روسيا والصين عن التصويت من دون استخدام الفيتو، بقيت على الأرض. والواقعية ستفرض نفسها على السلوك العملي لـ»اليونيفيل». لكن منطق الصراع المفيد لأطرافه القوية يطرح سؤالاً محرجاً لها: ما الذي يبرر التمسك بوجود قوات دولية تملك على الورق «حرية الحركة من دون إذن مسبق»، ومقيدة في الواقع بما يتجاوز بكثير «التنسيق مع الحكومة اللبنانية»؟

الأجوبه مكتوبة على الجدار. إسرائيل تهدد بحرب شاملة تعيد لبنان الى «العصر الحجري» و»حزب الله» يهدد، لا فقط بإعادة إسرائيل الى «العصر الحجري» بل أيضاً بإزالتها على يد «محور المقاومة». وهو قام بمناورات تتضمن محاكاة لدخول الجليل الأعلى. فضلاً عن أن جنوب الليطاني الذي هو، حسب القرار 1701، «منطقة عمليات» للقوات الدولية يجب أن تكون خالية من السلاح والمسلحين غير الجيش وقوى الأمن، ليست كذلك عملياً. فهي جبهة أمامية ضمن «وحدة الساحات ومحور المقاومة». وما دام تحرير فلسطين هو الهدف الإستراتيجي، فما حاجة القوى المتأهبة للتحرير الى قوات دولية على الطريق الى فلسطين؟

المفارقة أن الأطراف جميعاً تبدو في حاجة الى وجود «اليونيفيل». لكن كل طرف يريد قوات دولية على هواه وبما يخدم مصالحه. ولبنان في حاجة الى فترة تنفس بوجودها.

يقول الشاعر اليوناني قسطنطين كفافي في إحدى قصائده: «ماذا نفعل من دون البرابرة؟». والسؤال على طريقة كفافي هو: ماذا تفعل إسرائيل من دون إيران وبالعكس؟ وماذا تفعل الصين وروسيا من دون أميركا وبالعكس؟


MISS 3