شربل داغر

عن التواصل والشعبوية

4 أيلول 2023

02 : 05

علاقتي بوسائل التواصل الاجتماعي لازمة ومتأزمة في آن. لم أتردّد، منذ أواسط الثمانينات، في الالتحاق بعالم الحاسوب، فيما كان يندهش من هذا عددٌ من الأصدقاء والزملاء، بحجّة أنني كاتب، وأن الكاتب ينتسب حكماً إلى عالم الورقة والقلم.

قراري هذا أتى غريباً لي، إذ كنت قد اشتريتُ قبل ذلك بسنوات آلة «دكتيلو» من دون أن أتمرّس بها، أو أن أعتادها مطلقاً: ضربتُ فوق تلك الآلة الباردة قصيدة... آلية، أي بتلقائية شديدة، لكنني ما لبثتُ أن أتلفتُها من دون أي شفقة،

كما أزحتُ الآلة من مكتبي، وركنتُها في زاوية، من دون أن أعود إليها بعد ذلك.

أما مع الحاسوب فكانت التجربة مثمرة، إذ تسجّلتُ في دورة مهنية للتدرّب عليه، أمام دهشة مزيدة من القريبين مني.

كان قراري هذا مفاجئاً، لكنه بدا لي... طبيعياً، أي يوافق نزوعات داخلية جعلتني أنغمس في ما بدا لي - في قناعاتي وقراءاتي - مثل عزم يوافق ميلي إلى أفق آخر للنشاطية الإنسانية.

هذا ما لم أنقطع عنه منذ تلك السنوات الباريسية البعيدة...

هذا الانغماس الشديد في عالم الحاسوب جعلني أعهد إليه بكل ما أكتب، من القصيدة إلى البحث مروراً بكل الأنواع الكتابية التي أُقبلُ عليها.

وهو ما بلغ أيضاً تأسيسي موقعاً إلكترونياً يشتمل على سيرتي ونشاطاتي وكتاباتي وما يُكتب عنها...

مع هذا، تردّدتُ بل امتنعتُ عن الانخراط في عالم التواصل الاجتماعي، ولا سيما في الفيسبوك. امتنعتُ لسنوات وسنوات، على الرغم من إلحاح غير ناشر ممن ينشرون كتبي عليّ بلزوم المشاركة، وبالفائدة منها.

هذا ما انسقتُ إليه قبل سنوات قليلة، وتحقّقتُ من فائدته ونفعه، من دون أن أجد فيه ما يريحني ويقوّي عزيمتي في الانغماس الذي أرغب فيه في الزمن، ومع المتحاورين البعيدين وممن لا أعرف.

لعلّي أقسو أو أتحفّظ بقوّة على ما أعيش في هذا التواصل...

غير أن هذا لا يُبطلُ قناعتي بأنني أجد فيه صورة مضخّمة ومعبّرة عن تجليات التقليدية العربية، وعن تعابير «الشعبوية» المقيتة فيها.

هذا ما أعايشه في الفيسبوك منذ أكثر من سنة، حتى أن إسهاماتي فيه تضاءلت، من دون أن أنقطع عنه.

أما عن علاقتي بالصحافة، فهي لا تزال قائمة وإن باتت متباعدة، تقتصر على مقال أسبوعي وحسب.

مع ذلك تشدّني إلى أيامي في الصحافة العربية ذكريات مليئة بالفضول والشغف، لدرجة أنني رفضتُ عرضاً للتعليم الجامعي في جامعتي الباريسية، بعد تحصيلي شهادة الدكتوراه في العام 1982، مخافة أن أُفسد مزاجي المغامر.

هذا «النبض» القديم في الزمن، ومعه، هو الذي قادني، وجعلني أتشوّق للتقدّم في اتجاه ما لا أعرفه.

كانت أعوامي في الصحافة أقرب إلى تجربة حياة، إلى بناء شخصيتي من جديد، إلى «جامعة» أخرى بالأحرى...

هذا ما يفسّر انغماسي فيها في ميادين كتابية عديدة، التي كانت، على الأرجح، بمثابة التجارب الأولى لما ستؤول إليه انشغالاتي الكتابية المتعدّدة اللاحقة.


MISS 3