بشارة شربل

"استراتيجية الساحات"

4 أيلول 2023

02 : 00

تصوير فضل عيتاني

مؤسف انّه كلما زارنا موفد من ايران نجدِّد اليقين بأن الخلاص بعيد، وعلى دربه تتعمق الفُرقة بين مكونات لبنان. واذا اعتقدنا بُرهةً أنّ طهران حريصة على تقوية نفوذها في بلادنا عبر تعزيز موقع الطائفة الشيعية في النظام، فإن الوقائع تتكفل بإبلاغنا أنّ المشروع عابر للحدود، ووظيفته وضع الدولة في خدمته لا خدمة بناء الدولة، مهما كان حجم الانهيار أو تسبب بنزعات طلاق.

ورغم أنها ليست المرة الأولى التي يحضر فيها المسؤولون الايرانيون الى بيروت ليصرّحوا بخلاف ما يُضمرون، وليضلّلوا بدل ان يصْدُقوا، وليتفقدوا «استثماراتهم» بدل تبادل المنفعة مع بلد حر مستقل، فإنّ تصريحات الوزير عبد اللهيان الأخيرة تستحق أن تؤرشَف ليحظى بمرتبة متقدمة على كل مَن خرَّجته دبلوماسية الجمهورية الاسلامية ليتعاطى بالشأن اللبناني.

ولو حذا عبد اللهيان حذو من سبقه بالقول «نحن لا نتدخل في شؤون لبنان»، لتذَكَّرنا اسطوانة فاروق الشرع حين كان يطلق «مشكوراً» من دمشق الأجانب المخطوفين في لبنان، ولما أدهشَنا على الإطلاق بفعل اندراج «اللازمة» في إطار نوع من العمل الدبلوماسي المعتاد، مع أن عقيدة عبد اللهيان تنهاه عن مجانبة الحقيقة كونها من «الكبائر» المودية الى النار. أما أن يتجاوز الى مطالبة الرئيس الفرنسي بعدم التدخل في لبنان والاهتمام بشؤون بلاده، ففي ذلك فتحٌ جديد في عالم الكوميديا السوداء.

كاد المشهد أن يصير مملاً. الدولة اللبنانية هامشية في زيارات الايرانيين. هم يعتبرون حارة حريك عاصمتها السياسية والعسكرية والأمنية فيما بعبدا والسراي وقصر بسترس هوامش وشكليات. ولا تساعد النوعية المتواضعة للمسؤولين الرسميين في تعديل الصورة، ولا تُعين على ذلك ظروف الانقسام السياسي الذي تتحمل جزءاً غير يسير منه أطماع طهران في مدّ نفوذها عبر وضع اليد على قرار عواصم المحور الممانع.

تؤكد لقاءات عبد اللهيان مع ممثلي فصائل الاسلام السياسي الفلسطينية في إطار «وحدة الساحات»، مثلما يؤكد احتضان «حزب الله» نائب رئيس حركة «حماس» صالح العاروري أنّ مشكلة لبنان تتعدى وجود سلاح في يد «الحزب» يحتاج الى حلّ لتستعيد الدولة سيادتها وتسود دولة القانون. فتثبيت الارتباط العضوي مع سلاحَي «حماس» و»الجهاد» وبكلّ سلاح المحور وصولاً الى ايران مسألةٌ يتم تطويرها باستمرار بعدما اعتقد كثيرون خطأً أنّ «حزب الله» عاد من حربه السورية ويوشك على الخروج من اليمن وسيحصر طموحاته بتكبير حصته في لبنان.

هذا التلازم بين الساحات برعاية طهران هو عملياً سحب اعتراف بوجود دولة لبنانية من الأساس. لذا فإنّ معاودة الحديث عن «استراتيجية دفاع» ليست سوى استهلاك يجيده النواب والمرشحون الخبثاء والجبناء على أبواب استحقاق الرئاسة، ويسري دائماً على السذّج من قطيع سائر الحلفاء.


MISS 3