جاد حداد

Can You See Us... رسالة أمل مؤثرة

5 أيلول 2023

02 : 03

يروي فيلم Can You See Us (هل يمكنك رؤيتنا؟) قصة «كينيدي»، وهو فتى مصاب بالمهق يعيش حياة مليئة بالتنمّر والرفض والمآسي، لكنّه يتمسك بالأمل والقوة رغم كل شيء.

يتميّز هذا الفيلم عن أعمال «نتفلكس» الأخرى لأنه يعرض تجسيداً مبهراً لمشاعر الضعف وقوة التفاؤل. في هذه الدراما الآسرة، سنرافق بطل القصة «كينيدي» في رحلته الشاقة والعدائية ونتعلّم منه دروساً قيّمة عن استمرار الأمل رغم جميع الظروف.

يحمل الفيلم في جوهره تكريماً مؤثراً لقوة تحمّل الروح البشرية. يجسّد الممثل كانغوا تشيليشي دور «كينيدي» بصدق وشفافية، وتتّسم رحلته المميزة بتناقضات واضحة، فهو يتعرّض للرفض من والده منذ ولادته، ثم يواجه مواقف متلاحقة من التنمّر، ويمرّ بلحظات مأسوية كثيرة. لكن لا تتعلّق أكبر ميزة في هذه القصة بالأحداث القاتمة في حياة «كينيدي»، بل ببصيص الأمل الذي يتمسّك به. إنه الأمل الذي يساعده على تجاوز هذه العواصف القوية.

تعزف القصة على أوتار القلب وتعجّ بعواطف جيّاشة، وهي تجمع بين مشكلة «كينيدي» الجسدية ورحلته العاطفية بامتياز. في غضون ذلك، يجسّد ثابو كامبا شخصية «جوزيف» الشاب، وهو رفيق البطل الدائم، فيشكّل رمزاً حقيقياً للصداقة وسط الحياة الفوضوية. سرعان ما تصبح صداقتهما دليلاً على قوة الأرواح الطيبة التي تجد المواساة في ندوب الآخرين.

تُعرَض القصة بسلاسة فائقة، وتسلّط الضوء على التداخل بين تقبّل الذات واكتشاف الهوية الحقيقية. تجسّد الممثلة روث جول دور «شاما»، وتعكس شخصيتها أهمية التفاهم القادر على إحداث تحوّلات جذرية، فهو يشكّل قوة صامتة لردم الهوة بين الناس. يستعمل صانعو العمل أساليب سردية سلسة ومتعمدة، فيقدمون مشاهد مشحونة بالألم والروابط الوثيقة.

في الوقت نفسه، يعكس الفيلم الأفكار الشائبة والأحكام المسبقة التي تطغى على المجتمع. هو يحوّل مرض المهق من مشكلة طبية إلى استعارة ترمز إلى القوة والصمود. تكمن جوانب الفيلم اللامعة في قدرته على الكشف عن المعارك الخفية التي يخوضها كل فرد، فيبث بذلك أعلى درجات التعاطف في القصة التي يقدمها.

لكن لا يخلو العمل من بعض التعثرات، إذ تتخذ القصة من وقتٍ لآخر خطوات تجريبية وتترنح وكأنها راقصة مبتدئة تحاول تقديم رقصة معقّدة. هذه المشاكل العابرة تعيق انسياب القصة أحياناً وتذكّرنا بأن أفضل التُحَف الفنية لا تخلو من العيوب.

يترك الفيلم أثراً قوياً في نفوس المشاهدين بعد انتهائه، فهو يعترف بضعف الروح البشرية وشجاعتها ويتأمّل بالأفكار المرتبطة بها. هو يهمس للجميع بأن الأمل يبقى قائماً في أحلك الظروف، ويعتبر الهوية خليطاً من انعكاسات الروح وكياناً متبدّلاً ولو أنه يحتفظ بطابعه الآسر والاستثنائي. يدعونا هذا الفيلم إذاً إلى تقبّل نقاط ضعفنا والكشف عن القصص الكامنة وراء الوجوه التي نقابلها يومياً.

يسهل أن يأسرنا الفيلم، لا بفضل طاقم الممثلين البارعين، بل نظراً إلى براعته في تجسيد قسوة الحياة. إنه تكريم لقوة الإرادة والرغبة في الصمود والمضي قدماً، وانعكاس لأهمية التركيز على الجمال وسط الفوضى وضرورة ترك أثر دائم في العالم. ستترك هذه السمفونية صداها لدى المشاهدين لفترة طويلة بعد انتهاء الفيلم.