يحمل أيلول بوادر سخونة على صعيد تحريك الملفات النائمة. وباكورته يعكسها السجال الفرنسي/الإيراني وتناقضاته الكامنة في طيات تكشف العورات بين الدولتين، اللدودتين حالياً، بعد مرحلة ود في العلاقات شهدها الماضي القريب.
ففي حين انتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «أنشطة زعزعة الاستقرار الإقليمية التي قامت بها إيران في السنوات الأخيرة... ومن ضمنها ما يتعلق بلبنان واستقراره»، جاء رد وزير الخارجية الإيرانية حسين أمير عبد اللهيان ومن بيروت لاذعاً، فدعا الرئيس الفرنسي إلى التركيز على مشكلات فرنسا الداخلية بدلًا من التدخل في شؤون الدول الأخرى وانتقاد إيران.
وكأنّ عبد اللهيان بقوله هذا، يذكّر ماكرون بأنّ زمن الانتداب الفرنسي على دول بعينها قد ولَّى إلى غير رجعة، وتحديداً في منطقة الشرق الأوسط، التي باتت ملعب المشروع الممانع من بغداد إلى بيروت، مروراً بدمشق، بالإضافة إلى مصادرة القضية الفلسطينية، التي يسير العمل فيها على قدم وساق لإنهاء منظمة التحرير الفلسطينية و»الحالة الفتحاوية» وتكريس التنظيمات الأصولية لترث القضية وفق شروط المحور الممانع ومواصفاته تحت عنوان توحيد الساحات.
لذا من المتوقع ارتفاع نسبة السخونة في أيلول لتعيد بعض الأمور إلى نصابها المطلوب... وتحديداً لأن إيران لم تعد ترى في المبادرة الفرنسية ما يلبي احتياجات أجندتها، لا سيما بعد فشل هذه المبادرة في الترويج لمرشحها الرئاسي سليمان فرنجية، فالأم الحنون لم تستطع إقناع من كانوا في حضنها بما تطرحه. على العكس، هي أصبحت منبوذة ومشكوكاً في أمرها ومكشوفاً تورطها، بالتالي لا لزوم لها ويجب الاستغناء عنها.
ومع عجز الموفد الفرنسي جان – إيف لودريان في المهمّة التي يقوم بها، والمتعلّقة بإيجاد حلّ سياسيّ للأزمة اللبنانية الراهنة وفق المواصفات الإيرانية، طويت صفحة الأحادية الفرنسية وتم اقتلاعها بالزجر والردع، وبدأ التوجه شرقاً.
والواضح أنّ البديل جاهز وفق قاعدة تنص على أنّ الأقربين أولى بالمعروف. وبناء عليه فإنّ دولة قطر أحق بتسلّم زمام قيادة حل الأزمة، وفي ضوء رعايتها السابقة والمشهود لها لاتفاق الدوحة، ما ساهم في حينه بوضع مداميك مصادرة السيادة لمصلحة المحور الممانع.
بالتالي فهي الخبيرة الصبورة المؤهلة لتحل محل المستشرقين العاجزين عن فهم طريقة التفكير في الإقليم، بحيث يبقى محور الممانعة ريانَ مزهراً وحارثاً للخراب أينما حلّ، وبحيث يكتفي بالتصريحات الجوفاء التي تنفي تدخله في شؤون الدول التي يصادر سيادتها، وبالأخص لبنان الذي اعتبر عبد اللهيان أنّ «له مكانة مهمّة في منطقتنا لذلك فإنّ التوجّه من قبل أيّ دولة نحو التعاون معه سوف يصبّ في مصلحة تلك الدولة ولبنان والمنطقة بأكملها».
وبالطبع تكمن مأساة اللبنانيين في هذه المكانة التي أودت بهم إلى التهلكة، حرفياً وبالمعنى المباشر، فلو أنزلت الجمهورية الإسلامية من هذه المكانة بعض الشيء، وصرفت عنا اهتمامها لربما حلمنا ببعض ملامح الرجاء بقيامة ما. وستبقى المأساة على حالها ما دامت أولويات رأس الممانعة الإيراني تقضي باستخدام الورقة اللبنانية بحدة أكبر مع التطورات والتغيّرات الإقليمية المفصلية والمرتقبة. وهذه الحدة بدأت تنعكس سخونة تصبغ الدخول في أيلول وما تحمله من ضجيج يرتبط بالاستحقاق الرئاسي.