ساندي الحايك

من القالب للقلب: مبادرة لتوزيع الحلوى مجاناً

5 أيار 2020

02 : 00

بينما ينشغل معظم المتطوعين في الخدمة الاجتماعية والمدنية بتأمين الحصص الغذائية والإعاشات للناس، بما تتضمنه من مواد أساسية كالقمح والطحين والعدس والزيت وبعض المعلبات، إنهمكت مجموعة من الفتيات بتأمين قوالب الحلوى التي تُشكّل، وفقهنّ، "مصدر سعادة ورضى لا سيما للأطفال" وتوزيعها مجاناً.



هل يُعقل أن يمرّ شهر رمضان الكريم على العائلات المحتاجة، والتي تضاعفت أعدادها هذا العام نتيجة لكل ما يعصف ببلدنا من أزمات، من دون أن تحضر الحلويات على الطاولة؟ تسأل الشابة هند يعقوب، ثم تُكمل ممازحة: "لا أحد يُقدّر قيمة الحلويات كالفتيات، لذلك فكرنا أنه من الضروري ألا يُحرم الصغار منها وخصوصاً خلال هذا الشهر".

وتقول: "بدأت القصة كتحدٍ بسيط. قامت صديقة لي بمشاركتي بتعليق على فيسبوك تتحداني من خلاله أن أُعدّ من أي صنف حلوى أختاره قالبين بدل القالب الواحد، وأن أضع مكيالين بدل المكيال الواحد، وأقوم بعدها بإرسال القالب الثاني إلى أي عائلة أعرفها محتاجة أو غير قادرة على شرائه"، مضيفة: "قمت بذلك فعلاً، ثم فكرت بصوت عالٍ مع صديقتي زينة الحسيني، وهي المشهورة بقدرتها على صنع أشهى قوالب الحلوى، بتحويل هذا التحدي إلى مبادرة نقوم من خلالها بتوزيع الحلوى يومياً على العائلات المحتاجة في محيط سكننا. شيئاً فشيئاً بدأت تتطور المبادرة مع مشاركة العديد من السـيدات والفتيات فيها، اللواتــي بتن يصنعن الحلــوى في منازلهن ويقمن بتوزيعها مجاناً".



صينية صفوف



أصعب ما تواجهه المبادرة يتلخص بعدم قدرة الفتيات على توصيل الحلويات خارج نطاق سكنهن، أي منطقتي الشويفات والضاحية الجنوبية لبيروت. أولاً بسبب عدم قدرتهن على الوصول لعائلات محتاجة خارج هذا النطاق، فضلاً عن الخوف من فيروس كورونا الذي لم يُعلن لبنان حتى الآن سيطرته الكاملة عليه. وبحسب هند "تواصلـت معنا سيدة أعربـت عن نيتها المشاركة وإعداد قوالب الحلوى، ولكنها لا تعرف عائلات محتاجة في محيط سكنها في منطقة نيو سهيلة. لذلك تواصلنا مع أصدقاء لنا وطلبنا منهم نقل الحلويات لنقوم نحن بتوزيعها"، مشيرةً إلى أن "الحـــــظ حالفنا هـذه المرة وكان لنا أصدقاء يقطنون بالقرب من مكان سكن السيدة وتطوعوا للمساعدة، ولكننا لا نستطيع القيام بهذه المهمة في كل مرة. لذلك نُفضل أن يقوم المشاركون بتوزيع الحلوى على أناس يعرفونهم وقريبين من مكان تواجدهم".



حلوى بالجوز والقرفة



الهدف من هذه المبادرة الإنسانية وفق هند "يتلخص بسعينا إلى إدخال الفرح إلى قلوب الناس ولا سيما الصغار في هذا الشهر الفضيل، فجميعنا يعيش في ظل ظروف ضاغطة في هذه الفترة تجعلنا نغرق في الهموم، لكن هذه المبادرة تُعلمنا معنى التضمان وتعود علينا أيضاً بشيء من الرضى والراحة النفسية، إذ إننا على الأقل لا نقف مكتوفي الأيدي ونحاول أن نلعب دوراً ما في المجتمع ونساعد على تخطي الأزمة"، مضيفةً: "حتى أن جدتي تحمست للفكرة وأصرّت على المشاركة، فباتت تصنع لنا أشهى صفوف يومياً نقوم نحن بتوزيعها بعد تقطيعها".

أما زينة، وهي المُلقبة بـ"شيف المبادرة" فترى بأن أهم ما في المبادرة "هو حماس الناس وتأييدهم لنا ودعمهم لما نقوم به، ففي النهاية تقع علينا جميعاً مسؤولية اجتماعية تجاه بعضنا البعض"، موضحةً أن "الكلفة المادية التي نتكبدها لصنع قوالب الحلوى ليست بالأمر المهم، بل المهم بالنسبة لي هو ما نسخّره من جهد ووقت لصنع الحلوى، ورغم ذلك نستمتع كثيراً في صنعها".



قوالب الحلوى المصنوعة بحب



ترفض زينة اعتبارها محترفة قائلةً: "إنني هاوية ليس إلا، ولم أتعلم كيفية إعداد الحلويات، بل يُمكنني أن أصفها بالموهبة. وحقيقةً، أنا أنسى تعبي وأفرح كثيراً عندما أعاين بريق بهجة في عيون الصغار وأسمع منهم كلمات الإطراء بأن الحلوى لذيذة". تضيف ضاحكةً: "لا أعتقد أنهم يجاملونني، فالصغار لا يعرفون الكذب".

تصنع زينة، الشابة الثلاثينية التي تعمل من منزلها في الوقت الحالي، ثلاثة قوالب من الحلوى يومياً. تقول: "ما نُعده نحن بالإضافة إلى ما تُعده سيدات أخريات في منازلهن جيد ولكنه غير كافٍ. نحتاج لأن تصل المبادرة إلى عدد أكبر من النساء، وإلى أن تجول كل المناطق والمحافظات، فلا شكّ أننا سنجد أينما ذهبنا محتاجاً وطفلاً لم يتذوق الحلويات منذ مدة".

وترى أن "سرّ قوالب الحلوى يتمثل في احتوائها على الكثير من أساسيات الحياة، كالطحين والسكر، وفي ظل الغلاء الفاحش الذي نعيشه من الممكن أن يفقد الكثير من العائلات القدرة على شراء قوالب الحلوى الجاهزة، ولذلك نقول لهم: "نحن هنا".