د. عماد شيّا

أهل السويداء أدرى بشعابها وأوجاعها!

12 أيلول 2023

02 : 00

بعد عقود من الكبت والإذلال والإفقار، وسنوات من الشكوى والمعاناة بسبب ممارسات قوى الأمر الواقع، الهادفة لاختراق نسيج جبل العرب الاجتماعي وتغيير عقيدته الإيمانية وعاداته وتقاليده الاجتماعية، باستعمال وسائل البطش والاغتيال حيناً، وشراء الذمم وإغواء النفوس الضعيفة بالرذيلة والمخدرات والرشاوى أحياناً، بلغ السيل الزبى ونفد صبر أهالي جبل العرب والسويداء، وأعلنوا قبل أكثر من أسبوعين انتفاضتهم على النظام الجائر وأقفلوا مقرات الحزب البعثي وحطموا وأزالوا كل ما يرمز إليه من صور ومجسمات من معظم شوارعهم وميادينهم ومبانيهم.

لكن المستهجن والمستغرب كثيراً، في خضم تعاظم انتفاضة أهالي جبل العرب وامتدادها واتساع رقعتها بوجه الظلم والبؤس والطغيان، كان ولا يزال ارتفاع بعض أصوات رجال الدنيا والدين الدروز في لبنان وغير لبنان، وتجنّدها مباشرة أو مواربة في خدمة النظام البعثي وحلفائه على حساب وجع الناس وبؤسهم وكرامتهم وسلامة عائلاتهم وشرف أعراضهم، وصفوة موروثهم العقيدي الايماني، المهدد بانتشار المخدرات والرذيلة والموبقات في جبل الريان والأطهار والأعيان الثائرين دوماً على الجور والاستبداد.

المستغرب بالحقيقة، هو بدل أن يتلو بعض هؤلاء فعل الندامة، ويستتر لابتلائه بمعاصي «التقويد» المديد على ظهر ربعه وأبناء جلدته في جبل العرب، نرى على العكس من ذلك، إمعان هذا البعض في تخوين المنتفضين وكيل الاتهامات والشتائم وتوجيه النصح «المفخخ» لهم لعدم الخروج عن طاعة ومن تحت عباءة النظام الذي يعتبرونه هؤلاء «الدولة «. وهنا نسأل: أي «دولة» هي تلك التي شرّدت على مدى سنوات انتفاضة الشعب المجهضة 2011- 2017، ملايين السوريين، وقام شبيحتها باغتصاب وقتل مئات الأطفال والنساء، ولم ينجُ حتى كبار السن والشيوخ من همجيتهم ووحشيتهم، ناهيك عن قيام هذه «الدولة» بقصف وتدمير مئات القرى والمدن السورية بالبراميل المتفجرة والأسلحة الكيميائية والغازات السامة؟!

المعلوم والمعروف في كل المفاهيم العلمية والاخلاقية، هو أنّ الدولة تضطلع بالمسؤوليات الجسام لحماية بشرها وحجرها، ووظيفتها السياسية والأخلاقية حماية مواطنيها والحفاظ على أرزاقهم وتأمين سلامتهم وحاجاتهم على مختلف المستويات، وعندما يخفق حاكم أو نظام في إدارة شؤون هذه الدولة، فمن حق الناس الطبيعي في المجتمعات الديموقراطية العمل لتغيير الحاكم أو النظام بالوسائل الديموقراطية الانتخابية، وبالحراك الثوري والانتفاضات الشعبية في المجتمعات المكبلة بالأنظمة الديكتاتورية والقمعية. والسؤال للذين يموّهون أو يخلطون عن قصد أو من دون قصد، بين مفهوم الدولة والنظام في الحالة السورية الراهنة هو: كيف يمكن التعامل مع نظام لم يخفق وحسب في تحمّل مسؤولياته في إدارة شؤون الدولة والناس بل انتهك وبفظاعة كل القيم الأخلاقية في التعامل مع شعبه وأرزاقه ووطنه وثرواته؟!

أمّا في ما يتعلق بتعامل النظام السوري مع طائفة الموحدين الدروز وأعيانها وقادتها ورموزها، فنذكّر المتبجحين بأفضال هذا النظام على الطائفة، والمكررين بشكل ممجوج اسطوانة المؤامرات الرجعية والغربية والصهيونية التقسيمية التي تقف وراء حراك السويداء وجبل العرب، ونسأل: من غدر بالضابط الدرزي العربي المقدام سليم حاطوم؟ ولماذا؟ من اغتال الزعيم الدرزي العربي الفلسطيني كمال جنبلاط؟ ولماذا؟ ومن اختطف رجل الدولة المفكر والمناضل العربي الطاعن في السن والمجهول المصير شبلي العيسمي؟ ولماذا؟ ومن فجّر وقتل الشيخ وحيد البلعوس ورفاقه؟ البلعوس صاحب قول «يا فوق الأرض بكرامة أو تحت الأرض بكرامة»، والمؤتمن على رسالة سلطان الأطرش وشعاره: «الدين لله وسوريا الوطن للجميع؟!

وتبقى حجة واقعة بلدة «حضر» قبل سنوات، حيث يتجاهل المتبجحون صمود وشجاعة أهلها وهبّة الموحدين في كل أصقاع الأرض لنصرتها والذود عنها، ويستمرون باعتبارها نصراً مبيناً للنظام وفضلاً من أفضاله على أهل حضر والموحدين والدروز!

بأي حال، صمتَ أهل الحق، فتوهّم أهل الباطل أنهم على حق... ولأنّ التمادي بالصمت وعدم قول الحق شيطان أخرس، نقول لمن يعينهم الأمر: كفى تدليلاً وتلميعاً لصورة نظام قاتل، وتضليلاً لشعب اختبر بنفسه مثالب النظام ودسائسه وذاق بلحمه الحي طعم قبضته الحديدية وسموم مخالبه، وكفى تنظيراً ومزايدة على أهل السويداء ورجالات جبل العرب العقلاء، الحكماء والقدوة بمحبة الأوطان والتضحية من أجلها.


MISS 3