ريتا ابراهيم فريد

خلطة من الأسرار والجرائم والرومانسية

"العودة"... تشويق يفرض نفسه بقوة

8 أيار 2020

02 : 00

يتوجّب على من يرغب بمتابعة مسلسل "العودة" ألّا يفوّت أيّ حلقة أو مشهد منه.

فأكثر ما يميّز هذا المسلسل هو الوتيرة العالية لتسارع الأحداث، إضافة الى عنصري الغموض والتشويق اللذين شكّلا مادة جذب أساسية.



نجح المسلسل منذ حلقاته الأولى في أن يحجز له مكاناً في الصفّ الأول من حيث جودة المسلسلات التي تُعرض خلال شهر رمضان المبارك لهذا العام. ورغم أنّه ليس العرض الأول له، فقد سبق أن عُرض من حوالى شهرين على قناة MB4، لكنّه يحصد اليوم أيضاً أصداءً إيجابية كبيرة على مواقع التواصل الإجتماعي.

المسلسل من كتابة رائد بو عجرم، إخراج إيلي السمعان، كما قام طارق سويد بالمعالجة الدرامية. القصة تدور حول الكاتبة نسيم حجار (دانييلا رحمة) التي أمضت سبع سنوات في أستراليا، انقطعت خلالها عن التواصل مع كل معارفها، حتى خطيبها يوسف (إيهاب شعبان) الذي تركته فجأة ومن دون سابق إنذار وسافرت. ثم عادت الى لبنان إثر تعرّض والدها (أسعد رشدان) لحادث سير. عودة نسيم الى البلاد ترافقت مع أحداث مفاجئة تركت لغزاً شكّل الحبكة الأساسية للمسلسل. حيث توالت جرائم القتل التي استهدفت صديقاتها المقرّبات بأساليب تشير الى أنّ القاتل واحد، ويعرفهنّ تمام المعرفة. وهُنا يتأرجح المُشاهد في توجيه أصابع الإتهام لأشخاص عدة تبعاً لتسلسل الأحداث وانكشاف الأسرار شيئاً فشيئاً، لكنّ القاتل الذي ستظهر هويته لاحقاً، قد يشكّل مفاجأة مدوّية، كونه شخصية غير متوقّعة كما سيظهر في نهاية المسلسل.






والى جانب جرائم القتل والألغاز والأسرار، حضرت الرومانسية بقوة في هذا العمل. فالمحقّق كريم (نيكولا معوّض) الذي يتولى التحقيق في القضية، بدأ يميل شيئاً فشيئاً الى نسيم، الشابة الجميلة التي تتمتّع بشخصية لافتة وحضور قوي. كما يُعجب بها أيضاً العازف طارق (وسام فارس) الذي يؤدّي دور الشاب الرومانسي الرقيق ويحاول التقرّب منها. ناهيك عن خطيبها السابق الذي يبدو أنه عجز عن إخراجها من قلبه رغم كل ما فعلته به.

ورغم عناصر النجاح التي حقّقها المسلسل، إلا أنه انزلق في أخطاء انحرفت قليلاً عن المنطق في بعض الأحداث. مثلاً، كيف يمكن لريان (رودريغ سليمان) أن يسلّم هاتفه لزوجته جنى (رانيا عيسى) كي تتصل بأحد الأصدقاء لتأجيل موعد، مع علمه بأنها ستقوم بالإتصال بمفردها من مكتبه، ومن دون أن يتنبّه الى فرضية أن تقلّب داخل هاتفه، أو أن تتصل إحدى عشيقاته فجأة أو ترسل له صورها، وهذا ما حصل فعلاً.

وفي الإطار نفسه، كيف طلب يوسف (إيهاب شعبان) من خطيبته سحر (رنين مطر) أن تتناول ورقة من محفظته، مع علمه أنّ الورقة ملاصقة لرواية نسيم حجار التي تحمل توقيعاً منها مع تاريخ الإهداء، ما من شأنه أن يفضح أنه كان متواجداً في حفل توقيع نسيم، وأنه بالتالي كذب على سحر.

على صعيد آخر، أتقن المخرج إيلي السمعان اختيار شخصيات ووجوه نجحت في تقمّص أدوارها، رغم أنّ بعضها بدت صعبة ومركّبة، مثل دور دانييلا رحمة التي استطاعت من خلال براعتها أن تقنع المُشاهد بأن يكرهها حيناً لتسلّطها وقسوتها، وبأن يتعاطف معها حيناً آخر حيث يتبيّن أنّها إنسانة حساسة ورقيقة، وأنّها أيضاً ضحية.

من جهته أدّى رودريغ سليمان دوراً مميزاً بشخصية الأستاذ الذي كان يتحرّش بطالباته، والزوج الذي يخون زوجته مع أكثر من عشيقة. رودريغ الذي طالما لعب أدوار بطولة ثانية، يثبت عملاً تلو الآخر أنه يستحقّ عن جدارة أن تسند إليه البطولة المطلقة، بحيث أنه يقدم مستوى فنياً وتمثيلياً يضاهي كبار نجوم الشاشة الصغيرة. ولعلّ أكثر ما يميز هذا الممثل الموهوب، إعتماده على لغة العيون. فمن يدقّق في أداء سليمان سيلاحظ أنّه بارع في نقل الأحاسيس البشرية من خلال عينيه، ومن دون الحاجة الى المبالغة في استخدام تعابير الجسد.





أما الكاتب طارق سويد الذي يقوم للمرة الاولى بتجربة المعالجة الدرامية، فبدت بصمته واضحة في هذا العمل. طارق جمّل قصة الكاتب رائد بو عجرم بمعالجتها بطريقة درامية مشوّقة ومحبوكة بطريقة لافتة جداً، بحيث جعل من المسلسل عملاً يصعب البدء بمتابعة حلقاته من دون أن ننتظر بشوق توقيت عرض الحلقة المقبلة. 


هذا ونجح المخرج إيلي السمعان في إظهار العمل بصورة نقية مع لقطات رائعة لمشاهد من الطبيعة. عدسة السمعان تميزت بنقل إحساس المشهد وإحساس الممثل بدقة متناهية. فالرعب والحب والهدوء والتشويق جسّدها السمعان بطريقة مذهلة. كما أنه اعطى أهمية كبيرة للديكور والألوان والخلفيات، وهذا من شأنه أن يريح أعين المشاهدين. كما أنّ الإضاءة المعتمدة في هذا المسلسل محترفة جداً وتعكس مهارة كبيرة وسخاءً إنتاجياً.

هذا واستكملت جمالية العمل بالموسيقى التصويرية التي تنقلّت بين الرومانسية والدراما والتشويق، أو كما يقال في اللغة العامية "ع القدّ". ففي المشاهد التشويقية أو المرعبة مثلاً، نكاد نشعر بتوتّر شديد من الموسيقى أكثر من المشهد نفسه، وهذا دليل على احتراف عالٍ.

كل تلك العوامل المتجانسة جعلت من مسلسل "العودة" عملاً ناجحاً على أكثر من صعيد، وجديراً بالمتابعة.



MISS 3