البروفسور أنطونيوس أبو كسم

الحوار الوطني من أجل تنفيذ قرارات مجلس الأمن؟

18 أيلول 2023

02 : 00

بعد اتفاق الطائف، انعقدت طاولات حوار عدّة بين القيادات اللبنانية تحت قبّة البرلمان وفي القصر الرئاسي، إضافة إلى حوارات خارج لبنان بهدف إنضاج أو إنتاج تسويات سياسيّة. فلدى مراجعة مواضيع الحوار، يُستَنتَج أنّها تنعقد بناءً لطلب خارجيّ ملحّ بغية إيجاد آليّة لتطبيق قرارات الشرعيّة الدوليّة. فالمجتمع الدوليّ، يسعى للحصول على إجماع وطني حول طلباته عبر الحوار الوطني. فتطبيق قرارات مجلس الأمن استدعت انعقاد عدّة طاولات حوارٍ، أبرزها طلباته التي نصّت عليها القرارات 1559، 1680 و1701 وآخرها القرار2695 بشأن التمديد لليونيفيل.

الحوار الوطني 2006 والقرار 1559

انعقد الحوار الوطني في 2 آذار 2006 في ساحة النجمة بدعوة من رئيس مجلس النواب، حيث حضر الأقطاب السياسيون شخصياً بالرغم من موجة الاغتيالات التي استهدفت شخصيات سياسية طوال العام 2005. صدر عن جلسة الحوار الأولى الموافقة على فكرة إنشاء محكمة دوليّة لمحاكمة قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري ضمن بند «موضوع الحقيقة ومتفرّعاتها» الذي تصدّر جدول الأعمال. فإقرار البند الأوّل كان استجابةً لقرار مجلس الأمن 1644 (2005) الذي اعتُمِدَ تحت الفصل السابع. وبعد عدّة جلسات حوارٍ، صدر عن المجتمعين في 14 آذار 2006 مجموعة من المقرّرات. احتلّ الموضوع الفلسطيني البند الثاني من جدول الأعمال، حيث قرّر المجتمعون إنهاء وجود السلاح الفلسطيني خارج المخيمات في مهلة ستة أشهر، ومعالجة قضية السلاح داخل المخيمات، وذلك كبندٍ تطبيقي للقرار 1559 (2004) الذي دعا إلى حلّ جميع الميليشيات غير اللبنانية ونزع سلاحها. أمّا في ما يتعلق بموضوع سلاح المقاومة (البند السادس من الحوار)، فأعلن الأقطاب أنّه لا يزال قيد النقاش. ومن المعلوم أنّ مناقشة هذا البند هو استجابة للقرار 1559 بخصوص حلّ جميع الميليشيات اللبنانية ونزع سلاحها وبسط سيطرة الدولة على جميع الأراضي اللبنانية. والملفت، كان صدور القرار 1680 في 17 أيار 2006، والذي لاحظ بشكل إيجابي إحراز تقدم نحو التنفيذ التام لأحكام القرار 1559 ولا سيما من خلال الحوار الوطني اللبناني، حيث أعرب عن تأييده التام له مشيداً بجميع الأطراف اللبنانية لحسن تصرفها ولتوافق الآراء بشأن مسائل هامة، مع ترحيبه بقرار نزع سلاح الميليشيات الفلسطينية خارج المخيمات وتأييد تنفيذه مع الدعوة إلى بذل الجهود لحلّ جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية ونزع سلاحها واستعادة سيطرة الحكومة الكاملة على كافّة الأراضي.

بالرغم من الغطاء الدولي لمقرّرات الحوار والأجواء الإيجابية بشأن التقدّم المحرز، طرأ العدوان الإسرائيلي في 12 تموز 2006 ليخلط الأوراق ضمن أمر عمليات بنسف الوفاق الوطني وإعلان لبنان ساحة حرب. آخر جلسات حوار ساحة النجمة في تشرين الثاني 2006 كرّس الانقسام السياسي حول موضوع المحكمة الدولية.

حوار بعبدا والقرارات 1559 و1680 و1701

بعد أحداث 7 أيار 2008 وانعقاد مؤتمر لحوار لبناني في الدوحة وانتخاب رئيسٍ للجمهورية، انتقلت جلسات الحوار إلى القصر الجمهوري في أيلول 2008؛ لتقرّ التوافق المبدئي على العلاقة مع سوريا ودراسة موضوع الإستراتيجية الدفاعية بواسطة لجنة عسكرية. وبُعيد المناوشات المسلّحة في طرابلس سنة 2012، عاد الحوار الوطني ليصدر عنه «إعلان بعبدا» في 11 حزيران 2012.

من أبرز مقرّراته: التزام القرارات الدوليّة والقرار1701، تحييد لبنان عن سياسة المحاور والصراعات الإقليميّة والدوليّة والتزام قرارات الشرعيّة الدوليّة والإجماع العربي، مواصلة تنفيذ الطائف، ضبط الحدود اللبنانيّة السوريّة لعدم تهريب السلاح والمسلحين، وضع آليّات لتنفيذ القرارات السابقة المنبثقة من الحوار الوطني والدعوة إلى حوار بشأن الاستراتيجية الدفاعية. كلّ هذه البنود، شكّلت تكريساً لطلبات مجلس الأمن في قراراته 1559، 1680 و1701. فالقرار 1701 الذي صدر تحت الفصل السابع، وفي فقرته التنفيذية العاشرة، طالب بوضع مقترحات لتنفيذ الأحكام ذات الصلة من اتفاق الطائف، والقرارين 1559 و1680، بما في ذلك نزع السلاح وترسيم الحدود الدولية للبنان في مناطق الحدود المتنازع عليها أو غير المؤكدة ومعالجة مسألة مزارع شبعا، كما وتأمين الحدود اللبنانية ونقاط الدخول لمنع دخول الأسلحة إلى لبنان دون موافقته.

لقد اعتمد الحوار الوطني «الاستراتيجية الوطنيّة الدفاعيّة» مصطلحاً جديداً ملطفاً، بشأن مطلب مجلس الأمن نزع سلاح الميليشيات وبسط سيطرة الدولة على كافّة الأراضي. إنّ كلّ جلسات الحوار اللاحقة حتّى نهاية العام 2021 لم تتوصّل إلى اتفاق حول إشكاليّة «موضوع السلاح»، فجعلت مقرّرات جلسات الحوار حبراً على ورق بسبب رفض بعض الأقطاب للحوار.

القرار 2695 والحوار الوطني والرئاسة

بموجب الفصل السابع، أصدر مجلس الأمن القرار 2695 بتاريخ 31 آب 2023 بشأن التجديد لقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان. شكّل مناسبة لمجلس الأمن لإدراج عدّة مسائل، وكأنّه «1559» جديد مثيراً مسألة الرئاسة اللبنانية: فَحَثّ بقوة القادة السياسيين وأعضاء البرلمان على تحمل مسؤولياتهم وإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية من خلال انتخاب رئيس جديد دون مزيد من التأخير، معيداً تأكيد أهمية بسط سيطرة الحكومة على كامل الأراضي اللبنانية وفقاً للقرارين 1559 و1680 والأحكام ذات الصلة الواردة في اتفاق الطائف.

جديد القرار، اعتماده المصطلح اللبناني بشأن السلاح، ودعوته لحوار وطنيّ من أجل تطبيق قرارات مجلس الأمن، من خلال تشجيعه جميع الأطراف اللبنانية على استئناف المناقشات من أجل التوصل إلى توافقٍ في الآراء بشأن استراتيجية دفاعية وطنية من خلال حوار وطني بمجرد انتخاب رئيس جديد وفقاً لقرارات مجلس الأمن واتفاق الطائف. وطبعاً، رحّب بترسيم لبنان وإسرائيل للحدود البحرية سنة 2022 الذي سيسهم في استقرار المنطقة وأمنها، وحَثّ الطرفين على الاسراع بالجهود الرامية إلى ترسيم الخطّ الأزرق ووضع العلامات الواضحة عليه بأكمله.

هل أصبح انتخاب رئيس جديد للجمهورية والدعوة للحوار بشأن السلاح برعاية رئاسية وترسيم الحدود البريّة موجبات تحت الفصل السابع؟ فماذا إذاً عن الحوار بشأن الرئاسة؟

(*) محامٍ دولي وأستاذ جامعي


MISS 3