ديان كيتون...رمز للرقيّ والنجاح

02 : 00

كيتون في فيلم Sleeper
لطالما كانت حياة ديان كيتون عبارة عن تجسيد حقيقي للتميّز الراقي الذي يرافقها حتى اليوم. هي أيقونة عابرة للأجيال ورمز لقوة الحركة النسوية. هي أثبتت أن المرأة القوية قادرة على شق طريقها في هوليوود من دون أن تتنازل عن قيمها. في هذه المقابلة تتحدث الممثلة الفائزة بجائزة أوسكار عن مسيرتها المهنية، وأولادها، والموضة، وشغفها المستمرّ...

تتميّز ديان كيتون بموهبتها الفائقة، وتجدّدها الدائم، وتأثيرها القوي لدرجة أن نعجز عن وصف مسيرتها الحافلة وحياتها بسطور قليلة. كيتون هي ممثلة، ومخرجة، ومنتجة، وكاتبة سيناريو، ومصوّرة، ومطوّرة عقارية، وكاتبة، ومغنّية من وقتٍ لآخر. هي تبدأ المقابلة قائلة: «لم أرغب يوماً في القيام بعمل واحد، وقد نجحتُ في تحقيق هدفي على ما أظن. لكنني أعترف بأنني لم أخطّط يوماً لبلوغ هذه المرحلة. لم أضع استراتيجية محدّدة لإحراز التقدّم، بل أطلقتُ العنان لنفسي بكل بساطة وانتظرتُ ما ستؤول إليه الأمور».

في إشارة إلى فيلم Something›s Gotta Give (أشياء يجب أن تُعطى) الذي أدّت فيه دور البطولة إلى جانب جاك نيكلسون في العام 2003، تضيف كيتون: «يتوقف جزء كبير من النجاحات في هذا العالم على الحظ والناس من حولنا. يكفي أن نعمل مع الأسماء المناسبة في الوقت المناسب كي نحقّق النجاح. هذا ما حصل معي حين عملتُ مع المخرجة نانسي مايرز في هذا الفيلم. كنتُ أشعر بإحباط شديد في تلك المرحلة، وجاءت نانسي لتساعدني على النهوض. لم يرغب أحد في مشاركتي في ذلك الفيلم، وقد تكرّرت هذه المشكلة معي مراراً في حياتي. كنتُ ميتة، لكنّ هذا الفيلم بالذات أحدث أكبر فرق على الإطلاق وغيّر هذه المرحلة المتقدّمة من حياتي بالكامل».







سبب نجوميتها

تتكلم كيتون على حالات أخرى اتّخذت فيها خطوات حاسمة في الوقت المناسب، لا سيّما تعاونها مع وودي آلن الذي تُوّجت شراكتها معه بنجاح فائق في العام 1977، عبر فيلم الكوميديا الرومانسية Annie Hall، فهو نقل الممثلة إلى مرحلة مختلفة من مسيرتها المهنية.

بين العامين 1972 و1979، قدّمت كيتون (اسمها الحقيقي ديان هول) أعمالاً كثيرة لكن ارتبط اسمها دوماً بآلن، فقال المخرج الشهير عنها: «هي أكثر شخص أريد مقابلته والعمل معه. هي موهبة طبيعية».

كانت هذه النجمة المولودة في لوس أنجلوس قد صقلت قدراتها التمثيلية على المسرح. اتّضحت أولى بوادر موهبتها في مسرحية «برودواي» المثيرة للجدل Hair (الشعر) في أواخر الستينات. لم يكن دور كيتون يفرض عليها الغناء، لكنّ أداءها في هذه المسرحية كان أول خطوة من مسيرتها المتنوّعة التي دخلت حديثاً في عقدها السادس.

أنتجت شراكة هذا الثنائي، مهنياً وعاطفياً، سلسلة من الأفلام بدءاً بـSleeper (النائم)، وصولاً إلى Manhattan وLove and Death (الحب والموت). يشيد الجميع حتى اليوم بالأسلوب الذكي والمعقد في استكشاف العلاقات البشرية في تلك الأفلام والتقنيات السردية المبتكرة. كُتِب Annie Hall خصيصاً لها، وقد حصلت بفضله على جائزة أوسكار عن فئة أفضل ممثلة قبل أن يفتح لها الباب للمشاركة في أعمال ناجحة أخرى، والفوز بجوائز مثل «غولدن غلوب»، ونيل نجمة باسمها على ممر الشهرة في هوليوود.

اشتهرت كيتون وزادت قوّة حضورها بفضل ارتباطها بآلن والعلاقة العاطفية التي جمعتها به طوال خمس سنوات، لكن لطالما عُرِفت أيضاً كامرأة رائدة في مجالها وقادرة على شقّ طريقها بنفسها وشخصية متمرّدة على القواعد التقليدية.

تعليقاً على هذا الجانب، تقول كيتون: «أشعر بأن هذه الشخصية المتمرّدة انبثقت في الأساس من كوني امرأة ما كانت لتسمح لنفسها بالبقاء في الخلف بسبب جنسها. ما كنتُ لأتقبّل الصور النمطية السائدة، ولم أكن أخشى المواجهة والدفاع عن نفسي. اشتهرتُ بصفة التمرّد لهذا السبب على الأرجح».

اعتبرها الكثيرون متمرّدة قوية، لكنها واجهت فعلياً تحديات كثيرة حين انتقلت من المسرح إلى الشاشة الفضية: «أردتُ أن أثبت للجميع أنني أتمتّع بخليط فريد من نوعه من الشجاعة وقوة التصميم. أردتُ أن أجد لنفسي المساحة التي أبحث عنها لإثبات قوتي ورفضي المعايير التقليدية. لكن كان يصعب عليّ أن أتحوّل إلى رمز للحركة النسوية وأعبّر عن نساء يحاولن التحرّر من القيود الاجتماعية. أظن أنني تمكنتُ من تحقيق هذا الهدف بطريقة تتحدّى المعايير السائدة عن طريق الترفيه والفكاهة بدل التنمّر والضغط الاجتماعي».

تأثيرها كبير على الموضة

لطالما اتّسمت كيتون بحسّ مميّز في مجال الموضة وبدت سابقة لعصرها. هي تجمع بين الأنوثة والرجولة، وأدّت دوراً مؤثراً في تغيير موضة النساء، ما يثبت أن تأثيرها يتجاوز أدوارها التمثيلية. وحتى اليوم، يعكس ذوقها في الملابس شخصيتها المميزة، فهي تفضّل القبعات، والقفازات، والملابس الراقية على الموضة الرائجة في هوليوود.

تعليقاً على موضوع الموضة، تقول كيتون: «لا تزال الموضة تعني لي الكثير. أنا مقتنعة بأن ما نرتديه يقوّي ثقتنا بأنفسنا ويزيد انفتاحنا على العالم. لكن كان الوضع مختلفاً طوال سنوات بسبب قمع المجتمع وفرضه ملابس معينة. في الحقبة المعاصرة، يسهل أن نرتكب الأخطاء، لكن توسّع هامش الحرية في مجال الموضة والملابس المنتقاة، وهو وضع إيجابي. يريد الجميع أن يتحلّوا بمظهر لطيف وجذّاب وأن يحظوا بإعجاب الآخرين. أنا ممثلة، وهذا القطاع جزء من عملي. أردتُ أن يشاهدني العالم وما زلتُ أرغب في ذلك. لكني لم أنظر إلى المرآة يوماً وأعتبر نفسي جميلة. أشعر بأنني جميلة من الداخل، وهو الأهم. أنا لا أهتم بمواقع التواصل الاجتماعي ونوع الجمال الشائع في عروض الأزياء. لا أظن أنه جمال حقيقي».

الأمومة تجربة مختلفة

أكدت كيتون عدم اهتمامها بآراء الآخرين حين قرّرت تبنّي ولدَين: ابنتها دكستر التي تبنّتها في العام 1996، وابنها ديوك الذي وصل بعد خمس سنوات. كان الرابط العاطفي الذي جمعها بهما قوياً لدرجة لم تختبرها سابقاً رغم العواطف التي تنتابها كممثلة متنوّعة وقادرة على التعبير عن أقوى المشاعر.

أصبح ولداها اليوم في العشرينات من عمرهما، لكن تتذكر كيتون قوة المشاعر التي اختبرتها حين دخلا إلى حياتها فتقول: «إنه وضع غريب. سبق وجسّدتُ على الشاشة أو في المسرح عدداً هائلاً من الشخصيات وربطتني علاقات كثيرة مع ممثلين آخرين ومع جمهور واسع. وفي هذه الدوّامة من المسارات المتداخلة بين البشر، يسهل أن نتصوّر أننا قادرون على افتعال أو تكرار جميع أنواع العواطف. لكن سرعان ما يظهر شعور الأمومة، فتغرق كل امرأة في الخمسينات من عمرها في خليط من القوة والضعف، وتتغيّر الأهداف المنشودة، ويصل الحب الذي نشعر به إلى مستويات لا يمكن تصوّرها. لم يسبق أن شعرتُ بهذا النوع من الأحاسيس في أي مرحلة من حياتي، وأنا راضية عن القرار الذي اتّخذته».

بعدما أصبح ولداها مستقلَين الآن، هل ستجد كيتون فرصة لإعادة إحياء مشاعرها وشغفها مجدداً؟ تجيب ضاحكة: «هل تقصدون الجانب الرومانسي؟ لا أتخيّل أن أذهب مجدداً في موعد غرامي. هذا مستحيل. إذا جاء إليّ رجل يناسب عمري وطلب الخروج معي، لا يمكنني أن أوافق. يرافق هؤلاء الرجال نساءً أصغر سناً دوماً، ولم يعد هذا الموضوع يهمّني أصلاً. لم يعد الحبّ تجربة واقعية بالنسبة إليّ. لا أريده ولا أحتاجه. أنا أكتفي بأولادي. الأولاد يدفعوننا إلى التحرّك والتفكير والقلق، بغض النظر عن عمرهم. لا أملك الوقت الكافي لاستعمال طاقتي في مجال آخر»!

لكن لا تزال كيتون تهتمّ بالاستثمار في الهندسة والتصميم. هذا المجال يعطيها شكلاً من الحماس ويحدّد وجهتها اللاحقة، كما أنه يمنحها ملاذاً للابتعاد عن صخب هوليوود. من المعروف أنها تُجدّد وتبيع منازل عدة في جنوب كاليفورنيا، وهي تتكلم دوماً على إدمانها العقارات، لكنها لا تبدي استعدادها لمعالجة حالتها.

قد لا تتضح العوامل التي تدفع كيتون إلى متابعة تطوير نفسها، لكن تنبثق دوافعها على ما يبدو من شعور السعادة، لا المرارة: «لقد قررتُ منذ فترة طويلة ألا أحمل معي أي أجواء سيئة أو مشاعر ندم. هذه المشاعر تقصّر الحياة، ومن الأفضل أن نتخلّى عن المسائل التي ترجعنا إلى الوراء. أحاول دوماً أن أشعر بأمان داخلي متزايد مع مرور الوقت وأظن أنه طموح صحي، فهو يجعلني أتطلع إلى كل يوم جديد».

الــــشــــغــــف مــــســــتــــمــــرّ

تعليقاً على روتينها اليومي، تقول كيتون: «أنا أتمرّن على جهاز المشي في المنزل، وأمشي طوال الوقت، وأتنزّه مع كلبي، وأقوم بجميع النشاطات الممكنة. كما أنني أشرب النبيذ الأحمر. أريد أن أنغمس في العالم المحيط بي وأشارك فيه بكل قوة. ما زلتُ أحمل بعض المخاوف وأواجه الضغوط طبعاً. بدأ جسمي يخسر قوّته بوتيرة تدريجية، لذا أسأله دوماً: إلى متى ستصمد؟ إلى أي حدّ ستتدهور؟ إنه أمر صعب... من الصعب أن نتقبّل هذا الوضع في الحياة».

مع ذلك، تعترف الممثلة التي أصبحت نباتية منذ أكثر من ثلاثين سنة: «من الأصعب طبعاً أن أتعامل مع ضغوط وخلافات أخرى، لكني لا أواجهها لحسن الحظ. أنا لا أتعامل مع هذا النوع من المواقف».

هي اكتسبت هذه العقلية بفضل صداقاتها المستمرة مع شركائها السابقين، لا سيما وودي آلن، وآل باتشينو، ووارين بيتي. يُعبّر هؤلاء الرجال عن إعجابهم الشديد بلطفها وروحها الطيبة وتمرّدها.

في النهاية، تبقى كيتون قوة جارفة يحرّكها حبّ التميّز، وتشكّل صفاتها الإيجابية مصدر إلهام لها ولجمهورها العالمي الذي يكنّ لها إعجاباً لا ينضب.