عبدالله ناصرالدين

زيارة الأربعين: رحلة عشق إلى العام 680

19 أيلول 2023

02 : 00

كعادتهم في كل عام، توجّه الزوار بالملايين لأداء شعائر زيارة ضريح الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، بمناسبة ذكرى مرور أربعين يوماً على إستشهاده يوم العاشر من محرم عام 61 للهجرة (680 ميلادي) هو وآل بيته وأبناؤه وأخوته وأصحابه على يد جيش الأمويين.

وبحسب الرواية التاريخية، خرج الحسين، ثالث الأئمة، من الحجاز، قاصداً الكوفة مع عدد من أهله وصحبه يصل عددهم إلى 72 بالاضافة إلى النساء والأطفال، بعد تلقيه دعوات من أهل العراق.

وأرسل والي البصرة والكوفة، عبيد الله بن زياد، قوة عسكرية قوامها 33 ألف جندي لقتل الحسين ومن معه، وأجبروهم على مواصلة السير باتجاه صحراء تسمى كربلاء، حيث قتلوا في منازلة غير متكافئة استشهد خلالها جميع الرجال وبعض الأطفال والتحق بهم أثناء النزال عدد من المناصرين من طوائف مختلفة نصرةً لحفيد رسول الله محمد، وبعد المعركة سُبيت نساء العترة الطاهرة مع أطفالهم من العراق إلى الشام.

وزيارة الأربعين حدث عالمي يشارك فيها أكثر من 20 مليون زائر سنوياً من جميع الدول والقارات.

لماذا سُميت بالأربعين؟

إن أحد صحابة رسول الله اسمه جابر بن عبدالله الأنصاري هو أول من قام بهذه الزيارة بعد استشهاد الإمام الحسين وآل بيته وأخيه العباس وأصحابه بأربعين يوماً، فالأنصاري زار الحسين في كربلاء واستقبل آل بيت النبوة القادمين من الشام وفي مقدّمهم الإمام زين العابدين بن الحسين والسيدة زينب بنت علي بن أبي طالب حفيدة رسول الله محمد، ومعهم الرؤوس المقطوعة التي حملت على الرماح يوم واقعة الطف من العراق إلى الشام. ومنذ ذلك اليوم أصبحت هذه الزيارة التي تدل على الإيمان العميق والحب الشديد لآل البيت، تقليداً عند جميع محبي الحسين.

يذكر بأنّ هذه الزيارة كان قد منعها الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وأيامه كانت تحصل اعتقالات وقتل، ولكن محبي أهل البيت ظلوا مصرين على الإستمرار بهذه الزيارة سنويّاً، لذلك كان طريق مسير الأربعين وقتها مختلف عن طريق الزيارة الحالية، حيث كان الزوار يسلكون الطريق بين البساتين على ضفاف الفرات اسمه «طريق العلماء».

زيارة الأربعين اليوم ليس لها طريق واحد بل لها عدة مسارات، وهي:

1- طريق النجف/ كربلاء المسافة بين 80 و100 كلم (هذه الطريق مزودة بأعمدة يبلغ عددها 1452 ويوجد رقم تسلسلي على كل عمود، بين كل عمود وآخر 50 متراً).

2- طريق رأس البيشة في شبه جزيرة الفاو «محافظة البصرة» إلى كربلاء طولها 600 كلم، يسلكه الزوار مشياً على الأقدام قبل يوم 20 صفر بأسابيع من أجل أن تصل يوم الأربعين إلى مقام الإمام الحسين.

3- طريق بغداد- كربلاء.

4- طريق الحلة- كربلاء.

5- طريق الكوفة- كربلاء.

6- الحدود الإيرانية- العراقية- كربلاء.

والأهم من كل هذا أنّ هذه الحشود الضخمة جداً من الزوار ليسوا من أتباع أهل البيت فقط، بل من جميع الأديان والطوائف والمذاهب، كما أنّ المشاركين من جميع شرائح المجتمعات العالمية من عوام وعلماء دين وباحثين وطلاب معرفة وأصحاب رسائل ماجيستير ودكتوراه، بالإضافة إلى الزوار الذين يسمون أنفسهم بالعاشقين لأهل البيت والمخلصين للحسين وملبي النداء.

السير إلى كربلاء

على مختلف الطرقات التي تمّ ذكرها المنظر واحد، يمكن التعبير عن هذا المسير أنّ هناك سحراً غريباً على طريق المشاية، حقيقة شعور غريب يصعب شرحه أو التعبير عنه. في هذه الزيارة الناس سواسية فيمكنك أن ترى العلماء والرؤساء والوزراء والنواب والضباط والعسكريين وعامة الشعب على طريق المشي. وتنتشر المضائف على طول الطريق مع حفاوة الاستقبال لتقديم الطعام ومعها جميع الخدمات (حمامات، منامة، مياه للاستحمام وللوضوء، وأماكن للراحة والصلاة). ويفتح العراقيون بيوتهم للزوار على طول الطريق مجاناً ودون أي مقابل، ومن ضمن الخدمات التي يتم تقديمها لجميع الزوار على طول طريق المشي (غسيل ملابس، تصليح الأحذية والثياب، وخدمات طبية).

كما أنّ الدولة العراقية تضع تسهيلات كاملة من أجل إنجاح الزيارة، حيث تقفل جميع الإدارات الرسمية طيلة مدة زيارة الأربعين. كذلك يوفّر المواطنون العراقيون الأموال للتبرع بها من أجل خدمة الزوار.

العتبات

وهي الإدارات المسؤولة عن الأضرحة المقدسة في العراق، فالرتب فيها موحدة، جميع العاملين يحملون شرف لقب «خادم»، بالإضافة إلى عملها الروتيني في تحسين ورعاية الأضرحة، تقوم العتبات بتأمين الطعام مجاناً للزوار، وتعمل ليلاً نهاراً من أجل تأمين راحتهم.

وتقام مجالس العزاء على طول خط المشي إلى كربلاء، وهي عبارة عن مجالس تثقيفية من أجل التذكير بما حصل مع آل البيت، يتم خلالها استعراض أطروحات ثقافية وعلمية وعقائدية، فالقصة واحدة لا تتغير لكن يختلف أسلوب الراوي عن غيره، من قصائد ورثاء ونثر... وأثناء قراءة العزاء يتأثر السامعون بالبكاء أو بلطم الصدور وذلك من فظاعة الاحداث، كما ويُسمع على طول خط المشي الأناشيد الدينية المحمسة للزوار من أجل حثهم على المشي.

وبعد المشي لأيام يصل الزوار إلى كربلاء المقدسة، وللقاء مع القبة الحسينية الشريفة شعور آخر، لأنك ستتذكر ما حصل مع سيد شباب أهل الجنة على هذه الارض التي كانت يوم العاشر من محرم عام 61 للهجرة صحراء قاحلة، يومها وقف الحسين بن علي وحيداً بين آلاف الجنود المعادين بعدما قتل جميع من معه وحامل لوائه العباس، منادياً «ألا من ناصر ينصرني» وانا ابن بنت رسول الله. واليوم أكثر من 20 مليون زائر يلبون النداء بعد أكثر من 1300 عام.

الأماكن المحيطة بالأضرحة تسمى الولاية

داخل الولاية ينظم خدام العتبات دخول الزوار إلى المقامين الشريفين، ويتم تنظيم دخول المجموعات الكبيرة على شكل مواكب عزاء موحدة تدخل من حرم الإمام الحسين إلى حرم ابو الفضل العباس مروراً بمنطقة بين الحرمين.

ويتم تأمين الزيارة عبر أجهزة مختصة في محافظة كربلاء ودعم ورعاية أمناء العتبات المقدسة وكوادرها ويتم الإعتماد على المتطوعين من أبناء الشعب العراقي، حيث تخطى عددهم هذه السنة 12000 متطوع بالاضافة إلى منتسبي العتبات والعناصر الامنية العراقية. وعند انتهاء الزيارة يتم تأمين الخروج السلمي للزوار إلى خارج مدينة كربلاء المقدسة.


MISS 3