اكتشفت فتاة كنت أعرفها رغبتها بالأمومة أثناء جلوسها في حمّام العمل وإجرائها اختباراً أنبأها أنها حامل بطفل غير شرعي، حين رأت خطّين زرقاويي اللون، شعرت بفرحة عارمة قبل أن تعود وتنتبه الى أنه سيحصل صراع بقاء حتمي بينها وبين الجنين، أن يحيا أحدهما يعني أن يتم نسف الآخر. استَغرَبت حينها رد فعلها الذي أطلقت عليه تعبير"الرّد الغرائزي"، وبالتالي كي تحيا الفتاة تخلّصت من الجنين. فسّرت لي لاحقًا أن فرحتها كانت نابعة من مكان آخر لا يمكنها وصف مشاعره، ربما هي فرحة استخدام كل وظائف جسدها كامرأة.
تحكي إيمان مرسال في كتابها "كيف تلتئم عن الأمومة وأشباحها" عن الصراع بين الأم ومولودها الذي يبدأ من الرحم ويكمل في الحياة: "في كتابه "الجين الأناني" يصف ريتشارد دواكننز الحروب اللامتناهية التي على الجين أن ينتصر فيها من أجل الحفاظ على النوع. البقاء ليس للاصلح بل للأكثر أنانية وقدرة على كسب معركة الوجود ضدّ الجينات الأخرى... طريقة الجنين المبرمجة على الأنانية تسخّر جينات الأم وتجعلها تنكر ذاتها من أجله عبر "الحب"...رغبة المرأة في ان تكون أماً لا تخلو من رغبتها الفردية في أن يكون هناك امتدادا لها، فإن الحب والإيثار والتضحية مشاعر أمومية لا تخلو من حب الذات ومن انانية الأم نفسها".
حين سألت الفتاة عن شعورها حاليا قالت إنها تخلصت من شعور الذنب. صديقتي التي أنجبت طفلة واحدة تحبّها كثيراّ لكنّها تكره أمومتها، شعرت بالذنب أيضًا لمجاهرتها بالأمر. تكتب مرسال عن ذنب جدّتها من الشعور بالفرح بعد مرور سنوات على وفاة طفلتها، وأرى أنا كل يوم أمهات يشعرن بالذنب إذا ما حاولن سرقة ساعة نوم واحدة. تجرّد إيمان مرسال الأمومة من مثاليتها الإجتماعية والتاريخية وتكتب الغضب والعنف والإحباط في داخلها: "على جسد الأم أن يتأكد أن الحمل هو استثمار جيد للمستقبل. ستتكون المشيمة إذا كسب الجنين معركته، لكن في الوقت نفسه لا بد من تكوّن غشاء رقيق يفصل دم الام عن دم الجنين، الإنفصال لا التماهي هو شرط النجاة لكليهما".
في الواقع المعاش، هذا الإنفصال موجود في حالات نادرة بين الأم ومولودها، إذ إن المجتمع يطلب من المرأة التخلي عن فرديتها فور إنجابها، وإن حاولت المحافظة على كيانها ستشعر بالذنب الذي وصفته مرسال بـ"الشعور الذي يوحّد الأمهات على اختلافهنّ".
إنطلاقًا من يتمها الذي دفعها لفهم نفسها كأم لم تكتسب صورة عن الأمومة بسبب موت والدتها، محاولتها فهم ابنها يوسف، واعتمادًا على النظريات الطبية والقلق الذي تختبره المرأة المعاصرة من كل النواحي، قدّمت مرسال وجهًا آخر للأمومة تخاف النساء الكشف عنه، وجه حقيقي تشعر به كل امرأة أنجبت أو ترغب بالإنجاب.
