لين أودونيل

"طالبان" تلجأ إلى نوع جديد من المخدّرات

20 أيلول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

في السنة الماضية، أثارت حركة «طالبان» ضجّة كبيرة حين أعلنت أنها تتّجه إلى التخلّص من تجارة المخدّرات. قرّرت الحركة فجأةً وقف هذه النشاطات مع أنها كانت قد حصدت أرباحاً طائلة من الأفيون واستفادت منها للاستيلاء على أفغانستان في صيف العام 2021. نتيجةً لذلك، أصبحت زراعة الخشخاش محظورة ولم تعد المخدّرات بمتناول الناس، أو هذا ما تريد «طالبان» إقناع العالم به.

لكن على أرض الواقع، لم تبدّل «طالبان» أساليبها بل غيّرت المنتج الذي تستعمله بكل بساطة. كانت تجارة المخدّرات تشكّل حتى 14% من الناتج المحلّي الإجمالي في أفغانستان خلال السنة الماضية، وفق معطيات مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدّرات والجريمة. وإذا أردنا تصديق الأرقام الجديدة التي نشرها المكتب، فقد ترتفع تلك النسبة بدرجة هائلة قريباً.

لم تكبح «طالبان» تجارة المخدّرات، بل حصرتها في إطار معيّن ثم غيّرت المنتج الذي تستعمله. قامت «طالبان» بإبطاء تجارة الهيروين، ما أدّى إلى ارتفاع أسعاره. منذ صدور مرسوم المرشد الأعلى لطالبان، هيبة الله آخوندزاده، لحظر إنتاج وتجارة المخدّرات في نيسان 2022 (لم يتم تطبيقه قبل هذه السنة)، بلغت أسعار الأفيون مستويات قياسية، فزادت بمئة ضعف في الأسواق المحلية في شرق أفغانستان وجنوبها، وهي المناطق الأساسية لزراعة الأفيون. في غضون ذلك، زادت كميات الهيروين والميثامفيتامين التي تتمّ مصادرتها، بدءاً بأستراليا وصولاً إلى الهند، والخليج، وآسيا الوسطى، وموانئ أوروبية مثل روتردام في هولندا وأنتويرب في بلجيكا. يقول الخبراء إن السنة الفاصلة بين صدور المرسوم وتنفيذه منحت المنتجين والمهرّبين الوقت الكافي لزيادة الإنتاج والكميّات المخزّنة تزامناً مع تأجيج المخاوف من حصول نقص وشيك، ما أدّى إلى إطلاق موجة شراء جنونية بسبب الهلع.

تُعتبر «طالبان» مهمة بالنسبة إلى تجارة الهيروين والميثامفيتامين بقدر أهمية كارتل «سينالوا» في تجارة الكوكايين. لا تزال منطقة جنوب شرق آسيا تنتج كمية قليلة، لكن تسيطر أفغانستان على تجارة الهيروين التي تصل قيمتها إلى 55 مليار دولار سنوياً. رحّبت أفغانستان برئيس عصابة المخدّرات بشير نورزاي وكأنه بطل قومي عند عودته إلى البلد في السنة الماضية بعد إطلاق سراحه المبكر، رغم الحُكم عليه بالسجن المؤبد في سجن أميركي بتهمة تهريب الهيروين مقابل تحرير رهينة أميركية. هو كان جزءاً من أبرز مموّلي الحرب ويُعتبر شريكاً مقرّباً من المرشد الأعلى، وتذكر مصادر أفغانية معيّنة أنه استأنف نشاطاته الآن.

لكن تسعى «طالبان» من جهتها إلى توسيع نطاق عملياتها. كانت الحركة قد استفادت من الميثامفيتامين في الماضي، لكنها استعملت السلائف النباتية. لكن تتطلب هذه العملية جهداً فائقاً، ويبقى الميثامفيتامين المصنوع من مواد كيماوية خياراً أسرع، وأكثر بساطة وربحاً، وأقل كلفة.

يقيّم مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة سنوياً مساحة زراعة الخشخاش، ومحصول الأفيون وأسعاره، وإنتاج الهيروين، لكنه لم يعد قادراً على الوصول إلى الأراضي وإصدار التقارير بالقدر نفسه منذ عودة «طالبان» إلى السلطة. من الواضح أن «طالبان» خفّضت إنتاج الخشخاش. تكشف أحدث صور التقطتها الأقمار الاصطناعية التابعة لمنظمة «ألسيس» تراجعاً كبيراً في زراعة الخشخاش. وتدعم أدلّة أولية مستخلصة من تقارير ميدانية تصريحات باحثين في «ألسيس» مفادها أن زراعة الخشخاش تراجعت بنسبة تصل إلى 99% في بعض المناطق.

يقول الصحافي الأفغاني ميرويس خان إن مصادره في ولاية هلمند الجنوبية، التي تصدّر معظم إمدادات الهيروين في البلد، أخبرته بأن زراعة الخشخاش أصبحت شبه معدومة في الموسم الحالي. كذلك، ارتفعت الأسعار في الأسواق من 30 ألف روبية باكستانية (حوالى 100$ مقابل كل كيلوغرام في السنة الماضية) إلى 520 ألف روبية. (يتمّ تسعير الأفيون بالروبية الباكستانية). في الشهر الماضي، ذكرت «إذاعة أوروبا الحرّة» أن أسواق الأفيون في هلمند وقندهار تتابع نشاطاتها الاعتيادية، وقد جمع المهرّبون «مخزونات استراتيجية» للاستفادة من ارتفاع الأسعار.

لا يعتبر هانز جاكوب شيندلر، مدير «مشروع مكافحة التطرّف» في برلين ونيويورك، قرار الحظر حقيقياً أو طويل الأمد، بل إنه محاولة لزيادة الأرباح تزامناً مع تهدئة المجتمع الدولي ودفعه إلى الاعتراف بـ»طالبان»، أو ربما تهدف هذه الحيلة إلى تنويع مصادر الأرباح.

يوضح شيندلر: «لو كنتُ عضواً في طالبان، للجأتُ إلى الميثامفيتامين». تنمو المادة الخام المستعملة لتصنيع الميثامفيتامين النباتي، الإيفيدرا، طبيعياً في أفغانستان. قررت «طالبان» كبح هذه الزراعة أيضاً، لكن يمكن تصنيع المخدّرات بطريقة بسيطة ورخيصة عبر مواد كيماوية أولية يمكن الحصول عليها بسهولة وتحضيرها في المختبرات بشكلٍ لا ترصده صور الأقمار الاصطناعية. هذه العملية تتفوّق على إنتاج الهيروين بأشواط من حيث الكلفة والعائدات.

يضيف شيندلر: «يمكنهم أن يزيدوا إنتاج الميثامفيتامين. قد تكشف صور الأقمار الاصطناعية ما يحصل، لكن يجب أن نحدّد ما نبحث عنه وما ننظر إليه. ستزيد صعوبة إثبات ما يحدث لأن المختبرات تشبه أي مبانٍ أخرى».

يوافقه الرأي مكتب الأمم المتحدة المعنيّ بالمخدّرات والجريمة، إذ يصف تقييم نشره يوم الأحد الماضي عمليات تصنيع الميثامفيتامين بطريقة غير قانونية في أفغانستان باعتبارها «تهديداً متزايداً بدأ يغيّر أسواق المخدرات غير الشرعية التي كانت تُركّز تقليدياً على تهريب الأفيون من أفغانستان». أصبحت السلائف الكيماوية العنصر الأساسي في هذه العملية، وهي تشتقّ من مصادر يسمح القانون باستعمالها، مثل أدوية الزكام أو الإيفيدرين الصناعي، وهي منتجات يتمّ تهريبها إلى أفغانستان على مدار السنة. يمكن إنتاج كيلوغرام واحد من الميثامفيتامين الصافي عبر استعمال أقل من كيلوغرامَين من الإيفيدرين الصناعي، مقارنةً بمئتي كيلوغرام من نبتة الإيفيدرا التي تحتاج إلى البشر لقطفها وتحضيرها مقابل راتب معيّن.



أفغان يتعاطون المخدرات في أحد شوارع كابول | أفغانستان، 14 تشرين الثاني 2022





بدأت «طالبان» تنتقل إلى استعمال الميثامفيتامين منذ سنوات، فبَنَت الأسواق عبر إضافته إلى شحنات الهيروين. تطرّقت وسائل الإعلام الأسترالية إلى مصادرة كميّات هائلة من الميثامفيتامين الأفغاني الذي تم إرساله عبر البريد من باكستان إلى عصابات الدرّاجات النارية التي تسيطر على هذه التجارة. يذكر تقرير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدّرات والجريمة أن «طالبان» تتاجر به وترسله إلى جميع زوايا العالم.

في ظل توسّع تصنيع المخدّرات الكيماوية، أصبح المزارعون الأفغان من أكبر الخاسرين، فهم يقبعون في أسفل الهرم الاقتصادي ويُعتبرون من أفقر الناس في واحدة من أكثر الدول المحرومة في العالم. طوال عقود، كانت «طالبان» تستعبدهم وتجبرهم على زراعة الخشخاش للمشاركة في تمويل الحرب ضد الدولة الأفغانية المدعومة من الغرب. كانت «طالبان» تؤمّن المواد، بما في ذلك البذور والأسمدة. سرعان ما أصبح المزارعون عالقين في فخ الديون وكانوا يسدّدونها أحياناً عبر القتال إلى جانب «طالبان» ضد قوات التحالف الأفغانية والدولية.

تُذكّرنا صور الفِرَق المسلّحة وهي تدمّر حقول الخشخاش ببرامج مكافحة المخدّرات الفاشلة في آخر عقدَين، علماً أنها منحت المزارعين خيارات بديلة على الأقل، مثل زراعة القمح أو الزعفران. قد يدمّر الانتحاريون المتمرّدون مراكز التوزيع هذه المرّة، أو يقتل عناصر من «طالبان» المزارعين الذين يحاولون تغيير إنتاجهم أحياناً. ذكر المفتش العام الأميركي الخاص بإعادة إعمار أفغانستان أن الحكومة الأميركية أنفقت حوالى 8.6 مليارات دولار، بين العامين 2002 و2017، على حملات مكافحة المخدّرات. بقي الأفيون أكبر محصول مربح في أفغانستان.

لكن لا يُعتبر القمح أو أي محاصيل أخرى خياراً مستداماً. يقول شيندلر إن المزارعين الأفغان سيتضوّرون جوعاً إذا زرعوا الحبوب، فهم يحتاجون إلى محاصيل مربحة لتغطية التكاليف التي يتكبّدونها. أدّى الجفاف المطوّل إلى إضعاف قدرتهم على زراعة المنتجات الغذائية. وإذا استمرّ الحظر، فسيضطر الكثيرون للتخلي عن زراعة الأراضي والانتقال إلى أعمال أخرى، ما يزيد أعداد النازحين داخلياً والراحلين من البلد إلى باكستان، وإيران، وأماكن أخرى، بحثاً عن عمل.

من المتوقع أن يتضرّر صغار المزارعين وأهم أصحاب الأراضي من الحظر المستمرّ، حتى لو كان ما يحصل جزءاً من الأهداف النهائية للجهود الأميركية والدولية التي بدأت منذ سنوات. يبدو أن آخوندزاده جعل هذه الامتيازات على المحك بسبب قرار الحظر وبغض النظر عن الأضرار الجانبية المحتملة.

في النهاية، يحذر ويليام بيرد، خبير في الشؤون الأفغانية في المعهد الأميركي للسلام: «ستستمرّ الصدمات الاقتصادية والمعاناة الإنسانية وتزداد سوءاً طالما يستمرّ قرار الحظر».


MISS 3