الحكومة العراقيّة الجديدة تمُدّ يدها للثوّار

"الشارع" يستعيد رونقه ويُوجّه رسالة إلى السلطات!

02 : 00

الثوّار يحتمون من قنابل الغاز عند "جسر الجمهوريّة" في بغداد أمس

عاد ثوّار "بلاد الرافدين" إلى "احتلال" ساحات الحرّية في بغداد ومدن عراقيّة أخرى متحدّين طبقة سياسيّة فاشلة وفاسدة، تدور في فلك النفوذ الإيراني، إذ استؤنفت الاحتجاجات المناهضة للسلطات في بعض المدن بالأمس، وشهدت مواجهات عنيفة بين متظاهرين وقوّات الأمن، منهيةً نحو ثلاثة أشهر من الهدوء النسبي بسبب الوباء بُعيد أيّام من استلام رئيس الوزراء الجديد مصطفى الكاظمي مقاليد السلطة.

وبعد منح البرلمان الثقة الأسبوع الماضي لحكومة الكاظمي، أصدر الناشطون على وسائل التواصل الاجتماعي دعوات إلى تجديد التظاهرات، قائلين إنّ رئيس الوزراء الجديد كان جزءاً من نفس الطبقة التي يرفضها الشارع المنتفض.

وبالفعل، تظاهر مئات الثوّار في "ساحة التحرير"، مركز الحراك الشعبي في وسط العاصمة بغداد، هاتفين "الشعب يُريد إسقاط النظام!"، وقاموا برشق قوّات الأمن بالحجارة وقنابل المولوتوف، بينما ردّت القوّات الأمنيّة بفتح خراطيم المياه والقنابل الصوتيّة والمسيّلة للدموع، حين حاول المتظاهرون عبور الساتر المرفوع لإغلاق "جسر الجمهوريّة" المجاور الذي يؤدّي إلى "المنطقة الخضراء" الشديدة التحصين التي تضمّ مقار حكوميّة وسفارات أجنبيّة.

وحشد المتظاهرون منذ أيّام لاحتجاجات أمس، لكن بعض التنسيقيّات والاتحادات الطلابيّة اعترضت على الخطوة بسبب المخاوف من تفشّي فيروس "كورونا المستجدّ". وأفاد مصدر طبّي وكالة "فرانس برس" بأنّ عشرين متظاهراً أُصيبوا بحالات اختناق جرّاء قنابل الغاز.

وفي الناصريّة، مركز الاحتجاجات جنوباً، تجدّدت التظاهرات صباح الأحد لمطالبة الحكومة بالإسراع بتنفيذ وعودها بمحاسبة المسؤولين عن مقتل أكثر من 550 شخصاً خلال الاحتجاجات منذ تشرين الأوّل، وإجراء انتخابات مبكرة وفق قانون جديد. وقام المتظاهرون في المدينة بحرق الإطارات وخوض مواجهات عنيفة مع الشرطة التي استخدمت القنابل المسيّلة للدموع لتفريقهم.

وفي مدينة الكوت الجنوبيّة أيضاً، خرج مئات المتظاهرين منذ منتصف ليل السبت - الأحد إلى مقرّات الأحزاب السياسيّة، وأحرقوا مقرّ "منظّمة بدر" ومنزل نائب من "عصائب أهل الحق" المقرّبة من طهران.

وتعهّدت الحكومة العراقيّة الجديدة السبت بالإفراج عن المتظاهرين الذين اعتُقلوا على خلفيّة مشاركتهم في الثورة، واعدةً أيضاً بتحقيق العدالة وتعويض أقارب أكثر من 550 قتيلاً. وبعد الاجتماع الأوّل للحكومة الجديدة، توجّه رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي مساء السبت إلى العراقيّين بكلمة متلفزة، وعد فيها بـ"تقصّي الحقائق في كلّ الأحداث".

وتعهّد الكاظمي كذلك بـ"محاسبة المقصّرين بالدم العراقي وتعويض عوائل الشهداء ورعاية المصابين". ولم تنفكّ الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي تؤكّد منذ تشرين الأوّل أنّه تعذّر عليها إيجاد "مطلقي النار" على المتظاهرين. وفي الأوّل من تشرين الأوّل، وخلال أولى المسيرات التي تحوّلت لاحقاً إلى أكبر تظاهرات اجتماعيّة في تاريخ العراق وأكثرها دمويّة، حمل متظاهرون كثيرون لافتات عليها صور الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي، "بطل" استعادة الموصل من أيدي الجهاديّين والذي استُبعد لاحقاً من منصبه من قِبل عبد المهدي بضغط من القوى الموالية لطهران.

غير أنّ الكاظمي قرّر مساء السبت إعادة الساعدي، المقرّب من الأميركيين، إلى جهاز مكافحة الإرهاب وعيّنه رئيساً له. ولطالما كان يُنظر إلى الكاظمي على أنّه رجل واشنطن في بغداد، قبل أن يكوّن لاحقاً علاقات وثيقة مع إيران أيضاً. كما دعا الكاظمي البرلمان إلى اعتماد القانون الانتخابي الجديد الضروريّ لإجراء الانتخابات المبكرة التي وعد بها سلَفه، إذ تُقدّم الحكومة الجديدة نفسها على أنّها "حكومة انتقاليّة". وشدّد الكاظمي أيضاً على أنّ رواتب المتقاعدين ستُدفع قريباً.

وفي أولى جولاته، ظهر الكاظمي وهو يتّصل بشقيقه "عماد" من داخل غرفة مدير دائرة التقاعد العراقيّة التي كان رئيس الحكومة الجديد يزورها، حيث طلب من شقيقه، بلهجة حادة، "عدم الاتصال بأي أحد في الدولة العراقيّة بصفته شقيق رئيس الوزراء"، محذّراً إيّاه بالعراقيّة الدارجة "دير بالك (إحذر)"، وأضاف الكاظمي: "اليوم أنا ملك الناس وليس ملكك". وفي تفاصيل القضيّة، أن موظّفاً في هيئة التقاعد العراقيّة قال للكاظمي إنّه يعرف أخاه الكبير وإنّ علاقته به طيّبة، ما دفع الكاظمي إلى الاعتقاد بأنّ هذا نوع من أنواع الوساطات واتصل بأخيه أمام الموظّف ليوبّخه.

إلى ذلك، قال طالب متظاهر عاد إلى "ساحة التحرير" بالأمس: "سنمنحه (الكاظمي) عشرة أيّام لإثبات نفسه، وإذا لم تتمّ تلبية مطالبنا، سوف نُصعّد"، مشيراً إلى أن "اليوم (أمس) هو رسالة".


MISS 3