طوني عطية

في "بلاد ما بين المُخيّميْن": مصير "عين الحلوة" على "الضفّة"

مخيّم عين الحلوة «عاصمة الشتات» الفلسطيني

بين النزوح السوري واللجوء الفلسطيني، أصبح لبنان بلداً «ما بين المُخيّمَيْن». وإذا كان الملف الأول يطرح هواجس ديموغرافية واقتصادية بالدرجة الأولى، يُشكّل العامل الثاني خطراً أمنيّاً على اللبنانيين والفلسطينيين معاً، لما تحمله الذاكرة التاريخية (الحرب الأهلية، معركة نهر البارد)، من هواجس ومخاوف من تفجير الواقع الداخلي عبر بوابة المخيّمات، خصوصاً من عاصمة الشتات «عين الحلوة» التي تُعدّ أكبر تجمّع فلسطيني في الخارج. إذ تبلغ مساحته كيلومتراً مربعاً واحداً ويعيش فيه حوالى 50 ألف لاجئ مسجّل بحسب الأمم المتّحدة، بينما تُفيد إحصاءات غير رسمية بأن عدد سكّانه يتجاوز 75 ألفاً، إلى جانب 12 مخيّماً آخر، حيث يُقدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين في البلاد بنحو نصف مليون.

عاد المخيّم إلى الواجهة متصدّراً المشهد العام في عزّ موسم «أهلا بهالطلّة» السياحي لعام 2023. إندلعت الإشتباكات منذ 29 تمّوز بين قوّات «الأمن الوطني الفلسطيني» التابعة لحركة «فتح»، ومجموعات «إسلامية» مسلّحة أبرزها حركة «الشباب المسلم» (جند الشام سابقاً)، تخرقها بين الحين والآخر جولات من الحوارات وضبط النفس، والتذكير بأنّ «طريق القدس» لا يمرّ بـ»عين الحلوة». حصد الإقتتال أكثر من 17 قتيلاً و150 جريحاً ومئات المشرّدين حتى آخر جولة منذ أسبوع، كأن التشتّت قدرهم، إمّا بترسانة إسرائيليّة وإمّا ببندقيّة فلسطينيّة.

في السابق، كانت المعارك تعكس خلافاً داخليّاً على الهيمنة والنفوذ داخل أزقّة المخيّم المزدحم. أمّا اليوم فأخذت منحى خطيراً، نظراً لفترة الصراع (حوالى شهر ونصف) وقساوة المعارك ونوعية الأسلحة وعدد الضحايا والوساطات. ما يطرح علامات استفهام حول خلفية الأزمة وأسبابها وامتداداتها الخارجية، ومدى تجدّدها وانتقالها إلى باقي المخيّمات. تزامن انفجار «عين الحلوة» مع اجتماع الفصائل الفلسطينيّة برئاسة الرئيس محمود عبّاس في مدينة «العَلمين الجديدة» (شمال مصر) في 29 تمّوز، لبحث سبل إنهاء الإنقسام الدّاخلي والإتفاق على رؤية وطنية وسياسية مشتركة في مواجهة الإحتلال عقب عملية عسكرية إسرائيلية استمرت نحو 48 ساعة في مدينة جنين ومخيمها (شمال الضفّة الغربيّة). وقد تغيبت 3 فصائل فلسطينية عن الاجتماع، وهي «حركة الجهاد الإسلامي» (المدعومة إيرانيّاً) التي ربطت مشاركتها بالإفراج عن عناصر الحركة - الذين قال إنهم معتقلون لدى السلطة الفلسطينية.

وتجدر الإشارة هنا إلى بروز اختلافات وتجاذبات بينها وبين «حماس» التي اعتمدت خيار الحياد في المعركة الأخيرة بين «الجهاد» والإحتلال الإسرائيلي في قطاع غزّة (أيار 2023) رغم الإعلان عن أنّ المواجهة تُدار بتنسيق عبر «الغرفة المشتركة» بين الحركتين. وتخلّفت عن اللقاء أيضاً الفصائل المرتبطة بشكل وثيق بالنظام السوري كـ»الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامّة» و»منظمة الصّاعقة».

حوار وصراع

هذا التزامن بين «الحوار» في مصر و»الصراع» في لبنان ليس صدفة، بل مردّه حسب أوساط مطّلعة على الواقع الفلسطيني، إلى تضرّر جهات إقليمية كبيرة ومتعدّدة من وحدة الصفّ، وسعيها للسيطرة على الموقف الوطني الفلسطيني وضرب مرجعية السلطة الشرعيّة ووحدة الساحات. من هنا يُطرح السؤال عن كيفية دخول هذا الكم من الأسلحة والذخائر ووصولها إلى تلك الجماعات الإسلاميّة المتطرّفة، وعن دور الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية في ضبطها أو منعها.

كما أنّ تركيبة المخيّم وطبيعته التي تحمل الكثير من التناقضات، كفيلة بإشعال المعارك في أي وقت. غير أنّ تنظيم وتنسيق العلاقات بين تلك الفصائل، كان يتمّ عبر الهيئات السياسية تحت مظلّة «هيئة العمل الفلسطيني المشترك» التي تضم كل المجموعات ومنها القوى الإسلامية الرئيسيّة التي هي على علاقة جيّدة مع السلطتين الفلسطينية واللبنانيّة. وترافق اندلاع الإشتباكات مع القطيعة الحاصلة بين «لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني» برئاسة باسل الحسن و»منظّمة التحرير الفلسطينية». وكانت هناك حملة إعلامية وسياسية استهدفت مرجعيات فلسطينية والأمن الوطني الفلسطيني.

في هذا السياق، كشف مسؤول الملف الفلسطيني في «الحزب التقدّمي الإشتراكي» بهاء أبو كرّوم أنّ «أداء الدولة لم يكن على المستوى المطلوب في صون المخيمات والعلاقات اللبنانية – الفلسطينيّة. ومنذ فترة تلمّس الحزب مشروعاً يستهدف السّاحة الفلسطينيّة، رغم الجهود الكبيرة التي كان يقوم بها في السابق لتشجيع الفصائل على فصل خلافاتهم الداخلية في فلسطين عن ساحتهم في لبنان». كان ذلك يترافق وفق أبو كرّوم مع حوار لبناني - لبناني حول قضايا اللاجئين الفلسطينيين وحوار فلسطيني لبناني، شكلت لجنة الحوار حاضنته الأساسية أيام حكومات الرئيسين سعد الحريري وتمام سلام.

لكن مع الحكومة الحالية، توقفت المسارات الحوارية بجانبها السياسي وتركّز الأمر على البعدين الأمني والخدماتي. وهذا الأمر كانت له تبعات كبيرة، إذ تمّ فقدان التوازن في العلاقة التي تفلتت من الضوابط الوطنية ولم تعد تعمل وفقاً للتفاهمات بل تبعاً للمواقف المرتجلة والأداء المتسرّع. ومن المعالجات المطلوبة وفق «الحزب التقدّمي» استقالة الحسن (رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني) كمدخل إلى انتظام الملف وإعادة ترتيب العلاقة على كل مستوياتها. وهذا شرط رئيسي وضروري لإعادة إطلاق الحوار اللبناني واللبناني الفلسطيني».

من الواضح أنّ «عين الحلوة» ونظراً لرمزيته التاريخية شكّل الخاصرة الرخوة في انفجار الصراع الفلسطيني – الفلسطيني من جهّة، والإقليمي من جهة أخرى، وذلك تحت عناوين أساسية، أبرزها: كيفية مواجهة إسرائيل ووحدة الساحات، تمثيل الفلسطينيين في المخيمات والإمساك بقرارها، إضافة إلى خلافة «أبو مازن» البالغ من العمر 87 عاماً ودور السلطة الوطنية الفلسطينية. إزاء هذا الواقع المعقّد، والخشية من أن تتوالى فصول المواجهات وأن ينتقل صراع «الأخوة» إلى مخيّمات أخرى، يرى أبو كرّوم أن لدى الفلسطينيين الوعي الكافي للحؤول دون امتداد التوترات إلى مناطق أخرى، لافتاً إلى أنّ الجهود الأخيرة التي حصلت كانت على مستوى عال من الحكمة وأن القوى الفلسطينية الأساسية والفاعلة لن تسمح بانزلاقها إلى هذا الآتون. لأنّ الخراب سيطال الجميع.