جاك ديتش

الصين تستعرض أسلحتها الثقيلة في بحرها الجنوبي

23 أيلول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

خفر السواحل الفلبيني يعلم خفر السواحل الصيني عن قارب مدني في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه | 22 آب ٢٠٢٣

بلغت حملة الضغوط البحرية الصينية ضد الدول المنافِسة في بحر الصين الجنوبي مستويات غير مسبوقة منذ إلغاء القرارات السنوية المؤقتة بتعليق نشاطات الصيد، إذ تسعى السفن الصينية إلى كبح السفن الحربية الغربية في المنطقة وتحاول إعاقة الإمدادات البحرية المتجددة على جزيرة مغمورة تطالب بها الفيليبين.



تَحوّل الحصار المستمر الذي تفرضه بحرية جيش التحرير الشعبي على منطقة الشعاب المرجانية «توماس شول الثانية»، التي تشكّل جزءاً من سلسلة جزر «سبراتلي» في بحر الفيليبين الغربي، إلى نقطة تجمّع لدول جنوب شرق آسيا التي تشعر بالقلق من إصرار الصين على مضايقة البلدان الأصغر حجماً في أعالي البحار. في بداية شهر آب الماضي، اتّهمت الفيليبين السفن الصينية بإطلاق مدافع مائية على متن سفن تابعة لخفر سواحلها حين كانت تحاول إعادة تزويد مناطق الشعاب المرجانية بالإمدادات.

أرادت الصين بهذه الطريقة أن تستعرض قوتها أمام الآخرين، فاستعملت ست سفن كبيرة وتابعة لخفر السواحل وأربع سفن بحرية. تعليقاً على الموضوع، يقول راي باول، مدير مشروع «سيلايت» الذي أطلقته جامعة «ستانفورد» حول النشاطات البحرية الصينية في المنطقة الرمادية: «كان ما حصل أشبه باستعراض قوة مدروس من الجانب الصيني، وكأن الصين تحاول بذلك توجيه رسالة إلى الفيليبين مفادها أن وقت اللعب انتهى. حان وقت استعمال الأسلحة الثقيلة».

عملياً، تطالب الصين بجميع مساحات بحر الصين الجنوبي تقريباً، فتؤكد بذلك «سيادتها المطلقة» في جزر «سبراتلي»، وجزر «باراسيل»، وجزيرة «سكاربورو شول»، عبر خط مؤلف من تسع نقاط في محيط البحر. تشكك معظم البلدان الأخرى في المنطقة بهذه المزاعم، بما في ذلك تايوان، وبروناي، وأندونيسيا، وماليزيا، والفيليبين، وفيتنام، لكن أمضت الصين أكثر من عشر سنوات وهي تفرض وقائع ميدانية معيّنة عبر تدعيم الشعاب والجزر المرجانية اصطناعياً لتحويلها إلى مطارات وموانئ.

لا تزال هذه الأزمة مستمرة منذ أن ألغت السلطات الصينية قراراتها السنوية بتعليق نشاطات الصيد في منتصف آب الماضي، وقد جعلت الميليشيات البحرية المدعومة من جيش التحرير الشعبي تمنع سفن الإمدادات التابعة لخفر السواحل الفيليبيني من الهبوط في المياه الضحلة، حيث تحتاج الفيليبين دورياً إلى نقل الإمدادات إلى سفينة إنزال الدبابات الأميركية من حقبة الحرب العالمية الثانية، «بي آر بي سييرا مادري». وجّهت مانيلا سفينة «سييرا مادري» نحو الشعاب المرجانية المغمورة في العام 1999 لدعم مطالباتها القانونية باسترجاع تلك المنطقة.

هذه ليست أول مواجهة بحرية حديثة بين البحارة الصينيين والفيليبينيين. حتى في عهد الرئيس الفيليبيني السابق والمتقلب رودريغو دوتيرتي، الذي سعى إلى تقوية العلاقات مع بكين وهدد بتغيير طريقة تناوب القوات الأميركية في الأرخبيل، رفعت مانيلا احتجاجاً دبلوماسياً رسمياً في العام 2021، حين رست أكثر من 200 سفينة صيد صينية في منطقة «ويتسون ريف» المتنازع عليها في سلسلة جزر «سبراتلي». كذلك، سعت الفيليبين إلى حل النزاع في لاهاي بسبب خلاف على المساحات البحرية مع الصين في العام 2016.

لكن بعد وصول رئيس الفيليبين الجديد، بونغ بونغ ماركوس، إلى السلطة واتخاذه موقفاً أكثر عدائية تجاه الصين، بلغ التوتر بين الطرفين مستويات جديدة. على مر الصيف، غيّرت الصين مواقع أعداد كبرى من ميليشياتها البحرية كي تنشط في منطقة «ميسشيف ريف». كانت بكين قد طوّرت هذه الجزيرة المرجانية الواقعة في بحر الصين الجنوبي وزوّدتها بصواريخ مضادة للطائرات، وهي تقع على بُعد 25 ميلاً من منطقة «توماس شول الثانية».

في غضون ذلك، دعّمت الصين تلك الميليشيات بقوات عسكرية إضافية بالقرب من منطقة «سابينا شول» المتنازع عليها وجزيرة «ثيتو»، ثاني أكبر الجزر في سلسلة «سبراتلي». لكن لا يقتصر الوضع على فرض الحصار أو استخدام المدافع المائية، فقد استعملت الصين أيضاً أجهزة الليزر المُسببة للعمى لصعق السفن الفيليبينية في مناسبتَين على الأقل هذه السنة.

عادت مانيلا من جهتها إلى استعمال قواعد فيتنام من العام 2014، حين عمدت السفن الصينية إلى مضايقة القوات البحرية الخاصة بهانوي بسبب خلاف على منصة نفطية في بحر الصين الجنوبي، فقامت بتسمية الصين مباشرةً والتشهير بها. في هذا السياق، صرّح المتحدث باسم خفر السواحل الفيليبيني، العميد البحري جاي تارييلا، لموقع «بلومبيرغ» في آب الماضي: «في ما يخص العلاقات الدولية، يسهل استفزاز الصين عند نشر أي معلومة تؤثر سلباً على سمعتها».



غواصة تابعة للبحرية الصينية في بحر الصين الجنوبي



على صعيد آخر، يُعتبر احتدام الخلاف بشأن منطقة «توماس شول الثانية» دليلاً جديداً حول قدرة القوات البحرية الصينية على الصمود بحراً انطلاقاً من الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي. ومثلما استعملت القوات الجوية الصينية عمليات التوغل المتواصلة لدخول منطقة تحديد الهوية الدفاعية الجوية لتايوان كتكتيك فاعل لإجهاد الطيارين في تايبيه، ها هي تستعمل حملة الضغوط بحراً لاستنزاف قوات الفيليبين أيضاً.

يقول برانت سادلر، باحث بارز في شؤون الحروب البحرية والتكنولوجيا المتقدمة في «مؤسسة التراث» والملحق البحري الأميركي السابق في ماليزيا: «هم لم يستطيعوا استعراض قوتهم ضد الفيليبين وماليزيا وأندونيسيا إلا بعد بناء الجزر في بحر الصين الجنوبي، وهم اتخذوا تلك الخطوة أصلاً لتحقيق هذا الهدف. يمكنهم أن يحتفظوا الآن بتلك المعدات ومراكب الدوريات وقوارب الصيد هناك في مناسبات إضافية ويبدأوا باستنزاف قوة الماليزيين والفيليبينيين، لأنهم يستطيعون الحفاظ على وجود دائم في مكان يفتقر فيه الآخرون إلى منصات فاعلة». كلما كثّفت الصين استعمال خفر السواحل والميليشيات البحرية لمضايقة الفيليبين وقوات بحرية إقليمية أخرى، يسهل أن تصبح المواقف الصينية العدائية اعتيادية. يضيف سادلر: «لا يكفّ الصينيون عن مضايقة الآخرين وتخريب جهودهم. بدأ هذا الوضع يصبح طبيعياً». يظن الخبراء الاستراتيجيون العسكريون في الصين أن الولايات المتحدة قد ترحل بسبب الضغوط المتواصلة بدل أن تتابع التنافس على فرض السيطرة بحراً.

رغم إصرار الفيليبين على متابعة تدعيم مناطق الشعاب المرجانية الغارقة في ظل المضايقات الصينية، يشعر الخبراء بالقلق من حاجة إدارة جو بايدن إلى حل طويل الأمد للأزمة المتكررة التي أربكت آخر ثلاثة عهود رئاسية في الولايات المتحدة.

في النهاية، يقول باول: «سيضطر الفيليبينيون والأميركيون لابتكار حل لأزمة منطقة «توماس شول الثانية»، وإلا سيتوقف الحل على الزمن وعناصر معيّنة، وستصبح المنطقة المرجانية مُلكاً للصين».


MISS 3