عماد موسى

"شحّادين" يا بلدنا

12 أيار 2020

09 : 35

العام 1973 كان الشحّاذون في لبنان بالمئات. لنقل بالآلاف. وكانت الليرة اللبنانية ليرة. والسياحة سياحة. والحركة الطلّابية في أوجها. يستقيل صائب بك. "يُبطنج" أمين الحافظ. يقلّع تقي الدين. الشغل ماشي. السياسة ماشية. تجّار وحرامية. بروليتاريا وأوليغارشية (لا أهضم المتناقضين) يمين رجعي ويسار تقدمي. بوسطة وتاكسي. رملة بيضا وأحزمة فقر. كانت التجارة والملاهي والمصارف مزدهرة وبوسطات البرج وتاكسيات البلد سارحة والرب راعيها.

في العام 1973 ضج البلد بأغنية "شحّادين يا بلدنا" التي غناها شوشو وممثلو مسرحية آخ يا بلدنا (إقتباس فارس يواكيم) في لوحة الختام. استاءت الحكومة من الدعاية المغرضة. فهل استشعر ميشال طعمة أن البلد مقبل على غد أسود؟ أو أن روجيه عسّاف اليساري الثائر أوحى لطعمة بنص رشيق لحنه الياس الرحباني من دون عناء.

شحادين يا بلدنا…قالوا عنا شحادين

نشالين يا بلدنا… قالوا عنا نشالين

محتالين يا بلدنا… نحن شوية مساكين

مظلومين يا بلدنا… إيه وحياتك مظلومين

عطشانين يا بلدنا والمية بخمسة وستين...، 65 قرشاً لبنانياً على دولار بليرتين و20 قرشاً. والشحاد الذي تسكّر يوميته على ليرة واحدة، في سبعينات بيروت كان ينام على شبع.

بعد 47 سنة، كبرتْ يا شوشو جوقة المنشدين. ازدادت أعداد الشحّادين والنشّالين والمحتالين والمظلومين والمساكين وامتدت بين أرض المقيمين ودنيا المنتشرين. والملفت في شحادة الـ 2020 أن الست البرجوازية التي تقطر سمّاً وتنضح عطراً، تقف إلى جانب المواطنة الكادحة الخارجة لتوها من مقلاة البصل، في الثامنة والنصف تشحدان 300 ألف ليرة لشراء حفاضات: الأولى تشتري لزوجها والثانية لولدين من سبعة، يشبع الجراد وهم لا.

"شحّادين" يا بلدنا، على أبواب المصارف و"مطروقين" بتعميم الدجّالين ذي الرقم" مية وتمان وأربعين". "شحّادين مذلولين" نستجدي ما لا يكفي لشراء برغل وحمص وطحين. حتى إميل لحود يشحد الألف دولار عالميادين. تسمع مصيبته، تهُن مصيبتك.

"شحادين" في السوبر ماركت. رجلٌ بطول بابين وعتبة يتوسل مدير المبيعات. "بليز، يخليلك بيك وأمك والصبية الحلوة القاعدة على الصندوق مثل القرقة دبرلي نوتيلا. بلا نوتيلا أنام في الشارع.

"شحّادين" في العواصم، شحدنا بطاقة الـ Aller ونشحد بالـ Retour

"شحاّدين" ومشتهيين عضة بِـ "باغيت" وبفخذ عجل.

"شحّادين" يا بلدنا/ يا بلد اللبن والعسل وإلى رائحة عروسة زعتر وزيت"مشتاقين". وعلى سندويش بطاطا "محروقين".

"شحادين" يا بلدنا، و"مكتفيين" بـ4 دجاجات حسنة من عند المحسنين.

"شحّادين" يا بلدنا و"مخلوطين ملحدين ومسلمين وموارنة وروم ودروز.. ولاتين".

"شحّادين" يا بلدنا، و"مقهورين". كنا نتكبّر على الـ"بلاك" صرنا نشرب تربنتين.