أنشال فوهرا

علاقة أوروبا بإيران في أسوأ حالاتها

25 أيلول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية | إيران، 25 حزيران 2022.

في الأسبوع الماضي، هاجم أعضاء البرلمان الأوروبي من مختلف الأطياف السياسية مقاربة وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، تجاه إيران، فاتّهموه «بالفشل» في تغيير سلوك النظام الإيراني وطالبوه بالتخلّي عن محاولات التقرّب من إيران والعمل على إضعاف العلاقات معها.



حتى الآن، ترتكز سياسة بوريل تجاه إيران على محاولات إعادة إحياء الاتفاق النووي بإصرار من ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة. تمثّل هذه البلدان أوروبا في ذلك الاتفاق. لكن في ظل إصرار إيران على قمع شعبها محلياً رغم الاحتجاجات الحاشدة التي تدعو إلى التغيير، وإقدامها على بيع الطائرات المسيّرة لمساعدة روسيا ضد أوكرانيا، واستمرار احتجاز السياح الأوروبيين لانتزاع تنازلات سياسية واقتصادية مقابل إطلاق سراحهم، يظنّ ممثلو البلدان الأوروبية أن الوقت حان لإعادة النظر بالمقاربة المعتمدة.

حصل ذلك النقاش في الذكرى الأولى لمقتل الشابة الإيرانية مهسا أميني (22 عاماً) بعد اعتقالها بتهمة ارتداء الحجاب بطريقة «غير لائقة» ومقتلها أثناء احتجازها لدى الشرطة. لكن استاء أعضاء البرلمان الأوروبي بشكلٍ خاص حين علموا حديثاً أن السويدي الذي تحتجزه السلطات الإيرانية منذ السنة الماضية هو مسؤول حكومي ودبلوماسي أوروبي في الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية التي يقودها بوريل.

يبدو أن بوريل لا يعطي الأولوية لتغيير استراتيجيته، لكن بدأت سياسته تخضع لتدقيق متزايد. يظنّ كورنيليوس أديباهر، باحث غير مقيم في مركز «كارنيغي»، أن المزاج العام في أوروبا أصبح عاملاً حاسماً منذ أيلول 2022، وهو الشهر الذي قُتِلت فيه أميني، فهو ذكر في ردّه على صحيفة «فورين بوليسي» عبر رسالة إلكترونية أن السياسة الإيرانية لا تتماشى مع وجهة الرأي العام منذ عقود، لكن قد يضطرّ المسؤولون لأخذها في الاعتبار الآن.

استاء البرلمانيون في الاتحاد الأوروبي من وقاحة إيران حين أقدمت على خطف دبلوماسي سويدي في السنة الماضية، وغضبوا أيضاً من سلطات الاتحاد الأوروبي لأنها أخفت ما حصل لأكثر من 500 يوم. (نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» هذا الخبر للمرة الأولى في وقتٍ سابق من هذا الشهر). ذلك الدبلوماسي هو يوهان فلودروس، عضو في وفد أفغانستان في السلك الدبلوماسي للاتحاد الأوروبي، وكان عائداً من رحلة إلى إيران مع أصدقائه في نيسان الماضي حين تعرّض للاعتقال في مطار طهران بتُهَم واهية. هو يقبع في الحبس الانفرادي في سجن «إيفين» المريع في طهران، حيث يُسمَح له بتنشّق الهواء المنعش لأقل من نصف ساعة يومياً، وهو يجري مكالمة هاتفية واحدة في الشهر منذ شباط الماضي. جاء اختطافه ليقوّي الدعوات إلى إعادة تقييم سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه إيران وتعديلها.

يتوقّع الكثيرون أن تسعى إيران إلى إطلاق سراح فلودروس مقابل المسؤول الإيراني حميد نوري الذي أُدين في السويد خلال السنة الماضية بسبب تورّطه في قتل آلاف الأشخاص في العام 1988. هو حوكم بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية الذي يسمح للدول بمحاكمة الأجانب عند ارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

علّق ناستران على الموضوع عبر مراسلات مشفّرة مع صحيفة «فورين بوليسي»، عن طريق وسيط في أوروبا. يقيم هذا الناشط في إيران وينتمي إلى حركة «مجاهدي خلق» المعارِضة، وقد وُضع أيضاً في الحبس الانفرادي في سجن «إيفين». هو يعتبر خطف فلودروس نتيجة لسياسة «الاسترضاء» الأوروبية.

في الشهر الماضي، رضخت الولايات المتحدة لدبلوماسية الرهائن التي تطبّقها طهران. مقابل إطلاق سراح خمس رهائن أميركيين في إيران، لم تكتفِ الولايات المتحدة بإطلاق خمسة سجناء إيرانيين فحسب، بل رفعت القيود المفروضة على البنوك الدولية أيضاً لنقل عائدات نفطية محظورة بقيمة 6 مليارات دولار من كوريا الجنوبية إلى الجمهورية الإسلامية عبر قطر. ومنذ بضعة أشهر، استسلمت الحكومة البلجيكية وأطلقت سراح الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي الذي أُدين بتهمة التخطيط لعملية إرهابية في فرنسا خلال تجمّع لحركة «مجاهدي خلق» لضمان إطلاح سراح عامل إغاثة بلجيكي.

يقول ناستران باللغة الفارسية: «لقد لاحظنا جميعاً أن أسد الله أسدي تحرّر مقابل الرهينة البلجيكية. من الواضح إذاً أن النظام يريد استعمال الدبلوماسي السويدي الذي يعمل لصالح الاتحاد الأوروبي لإطلاق سراح حميد نوري».

امتنع المحلل السياسي الإيراني محمد مرندي عن مناقشة قضايا معيّنة، لكنه اعترف بأن ما حصل غير مسبوق في مجال تبادل الأسرى، فقال: «من الواضح أن السيد نوري أصبح محاصراً. ما يحصل هو عبارة عن تسوية متبادلة. نظرياً، تتعدّد صفقات تبادل الأسرى في الماضي، وقد تتكرّر مستقبلاً. من الواضح أن هذا الاحتمال أصبح وارداً».

في خطاب ألقاه بوريل أمام البرلمان قبل النقاش الأخير، اعترف بأن علاقة الاتحاد الأوروبي مع إيران أصبحت «في أسوأ أحوالها» اليوم، لكنه شدّد على أهمية الحفاظ على «تواصل فاعل». قال بوريل إنه يبذل قصارى جهده لإطلاق سراح فلودروس، لكن يبدو هذا الموقف فارغ المضمون في ظلّ غياب أي تفاصيل دقيقة. يظنّ بعض الخبراء أنه كان يتنصّل من مسؤولياته حين قال إن السلطات السويدية هي المسؤولة الأولى عن حماية أعضاء قنصليتها.

كان مايكل ثيديغسمان واحداً منهم: هو المدير التنفيذي للمنظمة غير الحكومية EU Watch، وقد كتب رسالة مفتوحة إلى بوريل يدعوه فيها إلى إطلاق ردّ أوروبي مُنسّق لإطلاق سراح جميع الأوروبيين المحتجزين في إيران، علماً أن عددهم الإجمالي يصل إلى 22 على الأقل. صرّح ثيديغسمان لصحيفة «فورين بوليسي» من برلين: «يوحي كلام السيد بوريل بأنه يريد الحفاظ على قنوات تواصل مفتوحة مع إيران، لكن لا حاجة إلى تلك القنوات لإنقاذ الرهائن. هو يعتبر كل بلد أوروبي مسؤولاً عن إنقاذ مواطنيه. لنتخيّل أن يصبح واحد من فريقك أو شعبك رهينة. هل سيكون ردّك بهذا الشكل؟».

هاجم البرلمانيون بوريل وطالبوه بفرض مجموعة من التدابير العقابية حتى إطلاق سراح جميع الأوروبيين المحتجزين بطريقة غير قانونية وعودتهم إلى بلدانهم بأمان.

كان بارت غروثويس من هولندا يمثّل مجموعة Renew Group، وقد طرح ثلاثة اقتراحات تحظى بتأييد معظم أعضاء البرلمان الأوروبي، فقال: «أولاً، يجب ألا نسمح للأوروبيين بالسفر إلى إيران طالما يبقى أخذهم كرهائن ممكناً بلا مبرر. ثانياً، يجب أن نطرد سفراء إيران من أوروبا. أخيراً، يجب أن نضع الحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهابيين تزامناً مع فرض عقوبات على المرشد الأعلى الذي يُعتبر مسؤولاً عن الانتهاكات شبه اليومية لحقوق الإنسان».

في غضون ذلك، اتّهمت إيفين إنجير، عضو البرلمان الأوروبي من مجموعة الاشتراكيين والديمقراطيين ذات الميول اليسارية، بوريل بتطبيق دبلوماسية صامتة، ما يعني عدم تحريك أي ساكن، فقالت: «الصمت مرادف للخنوع، ولا يمكن أن يستمرّ هذا الخنوع في المرحلة المقبلة إذا كنا ندعم المبادئ التي نجاهر بها (في إشارة إلى وعد الاتحاد الأوروبي بدعم حقوق الإنسان الأساسية).

يقول بيتر ستانو، المتحدّث باسم الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية، إن سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه إيران كانت شائكة جداً: «لقد فرضنا جولات عدة من العقوبات خلال هذه السنة، بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ودعم إيران العسكري للعدوان الروسي ضد أوكرانيا. لكن لا يمكن إحداث أي تغيير في السياسة المعتمدة إلا بإجماع بين الدول الأعضاء السبع وعشرين».

كان المواطن الإيراني السويدي أحمد رضا جلالي يقبع أصلاً في سجن «إيفين» عند اعتقال فلودروس. تكلّمت زوجته فيدا مهرانيا مع صحيفة «فورين بوليسي» من السويد، فقالت عن عائلة فلودروس: «أنا أتفهّم ألمهم. الحكومة لا تخبرنا بأي معلومة عمّا تفعله في هذه القضية. إذا وحّدنا صفوفنا، أظنّ أننا قد نحصل على دعم إضافي ونحسّن جهودنا لمساعدة أحبائنا». يقبع جلالي وراء القضبان في إيران منذ أكثر من 2600 يوم وقد حكم عليه السلك القضائي الإيراني بالموت.

من الواضح أن السياسة التي يتبنّاها بوريل ووزراء خارجيون فرديون لا تمنع إيران من اعتقال مواطنين من الاتحاد الأوروبي. مع ذلك، يتردّد المسؤولون في إعادة النظر بتلك السياسة. يقول ثيديغسمان: «بعض البلدان لا تريد حصول ذلك. هي لا تريد أن تصبح إيران بيد روسيا والصين». (في مؤشر واضح على دعم النظام الإسلامي أو حتى التضامن معه بعد حملة الاحتجاجات الواسعة داخل إيران منذ مقتل مهسا أميني، دعت الصين وروسيا إيران للانضمام إلى مجموعة «بريكس»).

وفق مصدرَين في الاتحاد الأوروبي، يشعر بوريل شخصياً بغضب شديد. هو يظنّ أن التُهَم المرتبطة باختطاف الدبلوماسي والسرّية المحيطة بهذه القضية يُفترض أن تستهدف السلطات السويدية بدل انتقاد منصبه. تذكر مصادر أخرى أيضاً أن الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية توجّه أصابع الاتهام إلى أطراف أخرى، لا سيما مراسل صحيفة «نيويورك تايمز» لأنه كشف هوية المسؤول السويدي المخطوف، والدول الأعضاء التي يُفترض أن تتحمّل مسؤولياتها وتعمل على إطلاق سراح مواطنيها عن طريق الاتفاقيات الثنائية، والولايات المتحدة وإيران بسبب رفضهما لإعادة إحياء الاتفاق النووي.

تسود مدرستان فكريتان في بروكسل بشأن طريقة التعامل مع إيران في هذه المرحلة. تتمثّل العقلية الأولى بالبرلمانيين الذين بدأوا يرفعون الصوت اليوم في الاتحاد الأوروبي، إذ تزداد قناعتهم بأن السياسة الراهنة فشلت في تحقيق النتائج المنشودة، وهم يدعون إلى تطبيق مقاربة أكثر صرامة. أما العقلية الثانية، فهي لا تزال مقتنعة بإمكانية إبقاء إيران خارج المحور الصيني ومتابعة الضغط لتجديد الاتفاق النووي. بدأت هذه العقلية تخسر مصداقيتها، لكن يبدو بوريل ملتزماً بها حتى الآن رغم كل ما يحصل.


MISS 3