إيلون ماسك... التطوّر المقيّد

02 : 00

صدر مؤخراً كتاب جديد لـ»والتر إيزاكسون» Walter Isaacson عن حياة الملياردير الأميركي «إيلون ماسك»، يكشف فيه عن الجانب الخفيّ لرئيس شركة «تسلا» وشبكة «إكس» أو «تويتر» سابقاً. ويُظهر الكتاب ماسك على أنه شخص قاسٍ مجرّد من أي شعور بالتعاطف ولديه هوس بغزو الفضاء وفكرة العالم «المتعدّد الكواكب».

وقد حظي الكتاب باهتمام بالغ ودعاية واسعة قبل صدوره، كونه يسرد تفاصيل جديدة من حياة أحد المتحكّمين بمفاصل حاضر البشرية ومستقبلها.

يقدّم المقرّبون من ماسك وزملاؤه في العمل وزوجاته السابقات وصديقاته؛ نظريات نفسية وتصوّرات عن «المزاجية» التي أحالت حياة مرؤوسيه إلى جحيم. وذلك لأن ماسك ربما يعاني عدة أمراض واختلالات من بينها الاضطراب الثنائي القطب، والوسواس القهري، واضطراب التوحّد المعروف سابقاً بمتلازمة «أسبرغر».

الغريب أن أياً من هذه الاختلالات هي التي تجعل ماسك «أحمق» (وهو وصف آخر يستخدمه الكتاب بشكل متكرّر)، بينما تجعله عبقرياً وناجحاً أيضاً في مساعيه العديدة. ويعبّر عنوان الكتاب «التطوّر المقيّد» عن رغبة ماسك الجامحة في التطوّر، والتي تقيّدها اضطراباته النفسية التي تطرّق إليها الكتاب.

تُحسب لماسك (حسب الكاتب) محاولته تقليل تكلفة الأشياء المختلفة حتى يتمكّن من كسب المزيد من المال وتحقيق حلمه بنقل نفسه (وربّما الكثير منا) إلى المريخ. يطرح الكاتب تساؤلاً حول من هو المسؤول عن هذا الخلل في شخصية إيلون ماسك؟

تسلّط مقدّمة الكتاب الضوء على ما يسمّى في هوليوود «الحادثة التحريضية». ويصف «إيزاكسون» أغنى رجل في العالم بأنه «طفل كبير» تأثر بطفولته القاسية. نشأ ماسك وسط العنف بجنوب أفريقيا في عصر التمييز العنصري وكانت علاقته بوالده «صعبة»، هذه العلاقة جعلته يشعر وكأنه غريب وتطارده الحاجة إلى إثبات نفسه باستمرار. في ملعب في الثمانينات في جنوب أفريقيا، تعرّض ماسك للضرب المبرح من بعض المتنمّرين لدرجة احتياج أنفه لجراحة تصحيحية حتى بعد عقود. ولكن عندما تمّ الطلاق بين والديه، اختار ماسك الشاب العيش مع والد يصفه بأنه أخضعه «للتعذيب العقلي»، على والدته المحبّة.

هذه أعمال عنف وخيانة لها عواقب مدى الحياة، كما قال ماسك نفسه. ولكن ما هو رائع ومحبط على حد سواء هو ردة فعل ماسك لأعمال التنمّر هذه.

كانت منصّة تويتر المعروفة الآن باسم إكس (X) عبارة عن هوّة لا قاع لها من مشاعر الوحشية والعنصرية وكراهية النساء حتى قبل أن يشتريها ماسك، لكنه أعطى المتنمّرين تفويضاً مطلقاً. وهو يخطّط الآن لإزالة ميزة الحظر، حتى لا يتمكّن المستخدمون الذين يتعرّضون للتنمّر من الدفاع عن أنفسهم. ولعلّ أكبر كشف في هذا الكتاب هو الكشف عن تفاصيل غير مسبوقة عن قدرة الملياردير الأميركي على التحكّم في حرب أوكرانيا. أمر ماسك مهندسيه «بإيقاف» تشغيل شبكة الاتصالات الفضائية «ستارلينك» Starlink التابعة لشركته في شبه جزيرة القرم لإحباط هجوم أوكراني على الأسطول البحري الروسي.

ورداً على هذا الكشف، لجأ ماسك إلى «إكس» ليؤكد أنه كان هناك طلب طارئ من السلطات الحكومية لتفعيل «ستارلينك» على طول الطريق إلى سيفاستوبول. ولكنه كان مدفوعاً بالخشية من أن ترد روسيا على الهجوم الأوكراني بأسلحة نووية وتتطوّر الحرب بين البلدين. من جانبه، انبرى «إيزاكسون» في الدِّفاع عن موقف ماسك وادّعى أن تغطية «ستارلينك» لم تمتد أبداً إلى شبه جزيرة القرم في المقام الأول.

ولكن بسبب ترديده تصريحات ماسك، أصبح «إيزاكسون» ناشراً ومروجاً للمزاعم الروسية حول تصرّفات أوكرانيا التي أدّت إلى حرب أوسع. ولم يكتف ماسك بذلك بل قام بالتنمّر على الأوكرانيين في رسالة نصّها: «ابحث عن السلام وأنت تملك اليد العليا». ولعلّ الهوس الأكبر لدى ماسك هو الذهاب إلى المريخ. وكأنه مستمرّ في الهروب من والده.

يحاول ماسك (حسب الكاتب) تحويل البشرية إلى «حضارة متعدّدة الكواكب». إجمالاً، يعود الفضل إلى «إيزاكسون» في تأليف هذا الكتاب، الذي حاول خلاله بناء توتر دراماتيكي بين ماسك صاحب الرؤية المنقذ للبشرية والصبي «المضطرب نفسياً» في الوقت نفسه. 

MISS 3