شكل قديم من الحياة يتفوّق على الديناصورات

02 : 00

قد لا تكون الأجناس الحية من الورود مشابهة لتلك التي تقاسمت الأرض مع ديناصورات «تيرانوصور ريكس»، لكنّ سلالتها المنتمية إلى عائلة الوردية ظهرت على ما يبدو قبل عشرة ملايين سنة من اصطدام كويكب بالأرض منذ 66 مليون سنة. لا يُعتبر الورد نوعاً غير مألوف من سلالات كاسيات البذور (نبتة مزهرة)، إذ تكشف التحليلات الأحفورية والجينية أن معظم عائلات كاسيات البذور ظهرت قبل اصطدام ذلك الكويكب.



كانت سلالات الأوركيد، الماغنوليا، زهرة الآلام، فئات الأعشاب، البطاطا، الأقحوان الطبي والنعناع العشبي، تتقاسم الأرض مع الديناصورات. حتى أن ظاهرة انقراض العصر الطباشيري-الباليوجيني سهّلت على الأرجح تطور كاسيات البذور وتحوّلها إلى 290 ألف فصيلة اليوم. يبدو أن كاسيات البذور استفادت من تلك البداية الجديدة، كما فعل أولى الأفراد في سلالة الثدييات.

لكن لم تتضح بعد طريقة حصول ذلك. تُعتبر كاسيات البذور هشة مقارنةً بالديناصورات، وهي تعجز عن الطيران أو الركض للهرب من الظروف القاسية وتتكل على أشعة الشمس للصمود، لكنها تلاشت في فترة معينة.

مع ذلك، تشير الأحفوريات في مناطق متنوعة إلى نسخ مختلفة من الأحداث. حصل تحوّل واضح وكبير في كاسيات البذور (اختفت هذه الفصيلة ثم عادت للظهور) في الأمازون عند اصطدام الكويكب بالأرض، وتراجعت الحشرات الآكلة للنباتات في أميركا الشمالية، ما يشير إلى فقدان النباتات الغذائية. لكن لا تتبع مناطق أخرى، مثل باتاغونيا، أي نمط محدد.

حللت دراسة في العام 2015 أحفوريات كاسيات البذور الخاصة بـ257 فصيلة، واكتشفت أن أثر ظاهرة انقراض العصر الطباشيري-الباليوجيني لم يكن كبيراً على معدلات الانقراض. لكن يصعب تعميم هذه النتيجة على 13 ألف فصيلة من كاسيات البذور.

لحل هذا الارتباك، لجأ سانتياغو راميريز باراهونا من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك إلى مقاربة جديدة في دراسة نشرتها حديثاً مجلة «بيولوجي ليترز». حلل العلماء أشجاراً كبيرة من عائلة كاسيات البذور، علماً أن أبحاثاً سابقة كانت قد نسبتها إلى طفرات موجودة في تسلسلات الحمض النووي الخاصة بأجناس يتراوح عددها بين 33 و73 ألفاً.

كان هذا النوع من عقلية الشجرة قد مهّد لظهور أفكار بارزة عن تطور الحياة منذ أن طرح تشارلز داروين أولى أفكاره عن أول شجرة عائلة.

لم تشمل أشجار العائلات التي حللها الباحثون أجناساً منقرضة، لكن يحتوي شكلها على أدلة حول مسار تغيّر معدلات الانقراض على مر الزمن استناداً إلى تقلبات معدّل التشعبات.

يمكن تقدير معدل انقراض السلالات عموماً وكاسيات البذور خصوصاً عبر استعمال نماذج رياضية. قارن النموذج المستعمل في الدراسة الجديدة بين عمر السلالات القديمة والتقديرات المرتبطة بعدد الأجناس التي يُفترض أن تظهر في شجرة العائلة انطلاقاً من المعلومات التي نعرفها عن عملية التطور. كذلك، قارن ذلك النموذج عدد الأجناس الموجودة في شجرة العائلة بالتقديرات المتعلقة بمدة تطور أي فصيلة جديدة، ما يشير إلى معدل التنويع الصافي، أي سرعة ظهور الأجناس الجديدة وتعديلها كي تتماشى مع عدد الأجناس التي اختفت من السلالة.

ينتج هذا النموذج عتبة زمنية (مليون سنة مثلاً) لإثبات اختلاف معدلات الانقراض مع مرور الوقت. هو يسمح لنا أيضاً بتحديد الفترات الزمنية التي سجلت معدلات انقراض مرتفعة.

حتى أنه قد يفترض الحقبات الزمنية التي شهدت تحولات كبرى في ظهور الأجناس وتنوعها، فضلاً عن تحديد مراحل الانقراض الجماعي. هو يثبت إلى أي حد تكون الأدلة التي يقدمها الحمض النووي مفيدة لدعم هذه الاستنتاجات.

تبيّن أن معدلات الانقراض كانت ثابتة على نحو لافت في آخر 140 إلى 240 مليون سنة. يشير هذا الاستنتاج إلى قوة تحمّل كاسيات البذور على مر مئات ملايين السنين.

لا يمكن تجاهل الأدلة الأحفورية التي تكشف أن عدداً كبيراً من أجناس كاسيات البذور اختفى في حقبة انقراض العصر الطباشيري-الباليوجيني تقريباً، وقد تضررت مواقع معيّنة أكثر من غيرها طبعاً. لكن تشير الدراسة الأخيرة على ما يبدو إلى استمرار السلالات التي كانت تلك الأجناس تنتمي إليها بلا رادع، ما أدى إلى إنتاج مظاهر الحياة بالشكل الذي نعرفه اليوم على كوكب الأرض. يختلف هذا الوضع عن مصير الديناصورات غير الطائرة، فقد اختفت هذه الفصيلة بالكامل وانقرضت سلالتها كلها.

يظن العلماء أن قوة تحمّل كاسيات البذور لظاهرة انقراض العصر الطباشيري-الباليوجيني (وحدها أوراق وفروع كاسيات البذور اختفت) يمكن تفسيرها بقدرتها على التكيّف مع الظروف، فقد طوّرت مثلاً آليات جديدة لنثر البذور وتلقيح النباتات. حتى أنها قادرة على نسخ جينومها بالكامل (جميع تعليمات الحمض النووي لدى أي كائن حيّ)، ما يضمن ظهور نسخة ثانية من كل جينة فردية، فتتفاعل معها عملية الانتقاء تمهيداً لإنتاج أشكال جديدة من التنوع الكبير.

قد يتبع حدث الانقراض الجماعي السادس الذي نواجهه في الوقت الراهن مساراً مشابهاً. يطرح الانقراض منذ الآن تهديداً على عدد مقلق من أجناس كاسيات البذور، وقد يؤدي اختفاؤها على الأرجح إلى انتهاء الحياة بالشكل الذي نعرفه. لكن قد تزدهر كاسيات البذور مجدداً انطلاقاً من مختلف الأنواع الناجية وتصمد أكثر من البشر.



MISS 3