جورج العاقوري

إحباط شيعة "الممانعة"... آتٍ

29 أيلول 2023

02 : 00

في منتصف تسعينات القرن الماضي، أُدخل مصطلح «الاحباط» بقوة من باب المكوّن المسيحي إلى قاموس الحياة السياسية اللبنانية وبشكلّ ممنهج ومدروس. فالنظام السوري المحتل لبلاد الأرز بمفهوم السيادة الوطنية و»الوصي» بمفهوم مصالح الدول (حيث كلّف بذلك كـ»جائزة تقدير» على دوره العسكري إلى جانب قوات التحالف في تحرير الكويت وكـ»شرطي» لضبط المنطقة عشية مشروع السلام في المنطقة)، راح يروّج لذلك مستعيناً بنظامه الأمني الللبناني– السوري وبأدواته السياسية والاعلامية.

الغاية من الترويج لـ»الاحباط» كانت ضرب أي بذور مقاومة للإحتلال وإغراق المسيحيين - الذين خسروا عملياً الحرب - في مستنقع اليأس بعدما انتهى جنرالهم ميشال عون قائد «الحروب الوردية» بالتحرير و»تكسير راس حافظ الاسد» و»توحيد البندقية» منفياً في فرنسا التي لجأ إلى سفارتها بعيد هجوم «13 تشرين» معلناً الاستسلام بعد «47 دقيقة» وهو الذي كان يخبرهم بأنه «قبطان السفينة» وآخر من يترك إمرة القيادة. فيما «حكيمهم» سمير جعجع قابع إفرادياً تحت «ثالث أرض» في «وزارة الدفاع» و»القوات اللبنانية» محظورة وأفرادها ملاحقون.

أما اليوم، على وقع التحولات التاريخية التي تشهدها المنطقة من جهة وممارسات «الثنائي الشيعي» («حزب الله» و»أمل») ذات السقوف الكلامية العالية والمناقضة لخطواته على أرض الواقع من جهة أخرى، فإنّ إحباطاً سيصيب المكوّن الشيعي الممانع بسواده الأعظم وبدأ يلوح في الأفق لكن هذه المرة ليس على يد غريب أو محتلّ بل على يدّ أهل البيت.

الإحباط الآتي لن يكون ناجماً بشكل أساسي عن التحوّلات التاريخية التي تشهدها المنطقة التي تعيش آخر فصول التطبيع مع إسرائيل وبشكل متسارع. فالمملكة العربية السعودية - أقوى الدول العربية وأكثرها ثراء وإمتلاكاً للقدرة على القيادة عربياً إنطلاقاً من إمساكها بالقرار خليجياً – أضحت مطبّعة عملياً.

فالموقف «القنبلة» لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 2/4/2018 عبر مجلة The Atlantic الأميركية الذي إعتبر فيه «أنّ للإسرائيليين الحق في العيش بسلام على أرضهم»، معرباً عن إعتقاده «أنّ الفلسطينيين والإسرائيليين لهم الحق في أن يكون لهم أرض خاصة بهم. لكن علينا التوصل إلى اتفاق سلام لضمان الاستقرار للجميع ولإقامة علاقات طبيعية»، هذا الموقف أضحى اليوم أكثر من عادي. وها هو بن سلمان يعلن في 21/9/2023 مع شبكة Fox News الأميركية أنّ بلاده تقترب أكثر من تطبيع العلاقات مع إسرائيل، فيما يحلّ وزير السياحة الإسرائيلي حاييم كاتس في الرياض في 26/9/2023 للمشاركة في مؤتمر منظمة الأمم المتحدة للسياحة المنعقد في الرياض، يومي 27 و28 أيلول الحالي ما يشكّل أول زيارة رسمية لوزير إسرائيلي إلى المملكة العربية السعودية.

الإحباط سينجم بشكل أساسي عن ممارسات «الثنائي الشيعي» ذات السقوف الكلامية العالية والمناقضة للخطوات على أرض الواقع. صحيح أنّ اليوم بين أخصام الداخل و»شيطنتهم» وعلى رأسهم «القوات اللبنانية» تارة وبين خطر «الدواعش» واستحضاره «غب الطلب» طوراً وبين «أمريكا الشيطان الأكبر» وإسرائيل «الغدّة السرطانية» دوماً، لا صوت يعلو فوق صوت «المقاومة». لا التساؤل ولا الاستفسار ولا حتى مجردّ التفكير بحقيقة الخطوات التي يأخذها «حزب الله» مسموح.

لكن يوماً ما لا محالة سينخفض «صوت المدفع» ويستفيق «شيعة الممانعة» على حقيقة أنّ «الموت لأمريكا والموت لإسرائيل» وخطابات أمين عام «الحزب» السيد حسن نصرالله في «يوم القدس» عن عدم التفريط بحبة تراب أو نقطة ماء من فلسطين، كلها سقطت أمام تفريطه بنفط وغاز فلسطين وأمام الترسيم البحري بين لبنان و»إسرائيل» بحسب ما جاء حرفياً على لسان الرئيس نبيه بري. فهذا الترسيم ما كان ليكون لولا موافقة «الحزب» على أصغر التفاصيل وهو طي صفحة الصراع بالمباشر. وما «الأمر الواقع» الذي تمثل بالقرار الصادر عن مجلس الوزراء «بصورة استثنائية ولدواعي المصلحة الوطنية» بأن «يسمح فيه لبواخر تتعامل مع إسرائيل بالدخول إلى المياه الإقليمية اللبنانية طيلة فترة التنقيب في البلوك رقم 9» إلا تأكيد على طي هذه الصفحة.

الإحباط سينجم أيضاً عن «الهزيمة» المدوية رئاسياً التي تعرّض لها «الثنائي» عبر فشله في إيصال مرشحه سليمان فرنجية إلى بعبدا وخسارته الدعم الدولي اليتيم المتمثل بفرنسا بعد دعوة موفدها جان ايف لودريان للبحث عن خيار ثالث. هذه الهزيمة تأتي على وقع إصراره على رفع السقوف عبر التمسك بفرنجية كمرشح وحيد ونفي وجود Plan B.

إنّها هزيمة أبعد من إيصال رئيس، إنها تعكس بدء زمن أفول فرض «الحزب» خياراته على اللبنانيين وانتهاء صورة «الحزب الذي لا يقهر». لذا يجب الاستعداد لكيفية مواكبة هذا الإحباط والحد من تداعياته التي لن تقتصر على بيئة «الثنائي» وقد تطال الوطن بمكوناته جميعاً.


MISS 3