جان الفغالي

الفدرالية... الصيت للبنان والفعل لسوريا

5 تشرين الأول 2023

02 : 00

بعيداً من الشعارات الطنّانة والرنّانة عن «وحدة الأرض والشعب» سواء في سوريا أم في لبنان، فإنّ الواقع على الأرض يقول عكس ذلك على الإطلاق، ولا سيما في سوريا حيث «حروب الفرز» لا تستثني منطقة ولا تستثني طائفة أو مذهباً، ما يؤشر على أنّ هناك أيادي خفية تحرّك «خيوط اللعبة» فتتنقّل من منطقة إلى أخرى ومن محافظة إلى أخرى، فهل نضج «مخطط الفرز»؟

الأرض تُنبئ بالأجوبة، هل هي مصادفة، على سبيل المثال لا الحصر، أنّ معظم النازحين من سوريا إلى لبنان، هم من طائفة معيّنة؟ هل هي مصادفة أن تدخل الاضطرابات في محافظة السويداء، ذات الغالبية الدرزية، شهرها الثاني، وأن تتحوّل هذه «الاضطرابات» إلى «قضية عالمية» حيث إنّ الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز في السويداء، يتلقّى اتصالات من مسؤولين أميركيين بهدف «تقصّي الحقائق»؟ هل هي مصادفة أن تتحرّك العشائر شمال سوريا في مواجهة «قسد» (قوات سوريا الديموقراطية)؟ لا شيء يحدث مصادفةً في سوريا، وليس صحيحاً أنّها «حرب فوضوية»، بل هي «حرب منظّمة» لا تقود، على الأرجح، سوى إلى النهايات المرسومة لها والتي بدأت طلائعها تظهر على الخارطة، ولو بقلم رصاص، في انتظار تثبيت الخطوط بحبر هو مزيج من حبر متعدّد المصادر.

فالنظام السوري يسيطر على ما اصطُلِح على تسميته «سوريا المفيدة» أي مناطق العاصمة دمشق ومحيطها والساحل السوري، هذه المناطق يسعى النظام إلى تحويلها إلى جغرافيا ذات لون مذهبي معيّن، في مقابل دفع سوريين من مذهب آخر إلى النزوح سواء إلى لبنان حيث الدخول أسهل، أو إلى تركيا حيث الانتقال منها إلى أوروبا يبدو أنّه متاح أكثر. انطلاقاً من «فرز الأمر الواقع»، تبدو سوريا أقرب إلى الفدرالية منها إلى الدولة الموحّدة، فتكون الدولتان المؤثرتان فيها، هما تركيا وإيران، وفي حال تأجّج الوضع في السويداء، يحدث «تطوّر ما» بين تلك المحافظة وبين الجولان.

انطلاقاً من هذه المعطيات، يصحّ القول: «الصيت للبنان والفعل لسوريا»، خصوصاً أنّ التجارب تعلِّم أنّ الظروف الجيوبولوتيكية هي التي تتقدّم على الإيديولوجيات والعقائد، وحين تنضج مثل هذه الظروف تتلاشى العقائد.

أسطعُ دليل على ذلك ما حصل في آرتساخ حيث ابتلعتها أذربيجان وسط صمتٍ مريب من العالم، ومَن يدقّق في ما جرى، يكتشف ضلوع أكثر من دولة في ما يمكن تسميته «مؤامرة»، فالمسؤولون في باكو لم يُخفوا شكرهم لإسرائيل، وسمّوا جهاز الموساد تحديداً على المساعدة التي قدّمها لهم.

انطلاقاً ممّا حصل بين أذربيجان وآرتساخ، التي أزيلت من الوجود كدولة، وما يحدث في سوريا، التي لم يعد يُنظَر اليها كدولة موحّدة، هل بدأ اختبار «الفرز والضم» و»الفدراليات»؟

من سوريا إلى أذربيجان إلى أفريقيا، العالم يتغيّر، ولبنان يتفرّج.


MISS 3