جيمي الزاخم

معرضُ الكتاب... لماذا انقسم؟

7 تشرين الأول 2023

02 : 07

سنويّاً، وقبل أن تُطفئ السنةُ شمعتَها، يودّعها لبنان ويُودِعُها معرضاً للكتاب. يدور حول مائدته القرّاءُ ودورُ النشر. هذه المائدة الثقافية شطرَها عام 2023 إلى مائدتين. بِتْنا أمام معرضَين بدل المعرض الواحد. الأوّل تنظّمه نقابة اتحاد الناشرين اللبنانيين مع وزارة الثقافة. وفي الثاني، يلتقي النادي الثقافي العربي زائريه بالدورة 65، برعاية رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. في الأيام الماضية، انتشرت تعليقات وتحليلات أرجعت الكتاب إلى مذهب وانتماء الجهتين الرّاعيتين للمعرضين وهويّة المنظّمين، وربطته بعائلات سياسية وتاريخ نفوذها في البلد وفي المعرض. هذه القراءة كافية؟ أم أنّها تحاصر أسباب فضّ الشراكة بين الطرفين (اندَمجا رسميّاً منذ عام 2004) في عاصمة هي على موعدين مُتقارِبَين مع الكتاب؟



معرض لبنان الدّولي للكتاب (من 13 إلى 22 تشرين الأول)


تصرّ رئيسة نقابة اتحاد الناشرين في لبنان سميرة عاصي على عدم انحدارها إلى الحديث الطائفيّ السياسيّ: «أين الثقافة من هذا الكلام؟. هموم الناشرين ومشاكلهم هي أولويّتُنا». تكشف عاصي لـِ»نداء الوطن» أنّ «النقابة تفاجأت بإعلان النادي الثقافي العربيّ عن معرضه السنويّ من دون الرجوع إلينا كما جرت العادة: علمنا بالمعرض بعد اتصال استفساريّ من اتحاد الناشرين العرب. كما وزّع النادي الملصق الإعلاني الذي يبيّن أنه الجهة الحصرية المنظِّمَة للمعرض. وحاز مُسبَقاً، وككلّ سنة، على رعاية رئاسة الحكومة... أمام كلّ هذا، ولأنّنا كناشرين نحن «أمّ الصبي»، قرّرت النقابة إقامةَ معرضها الذي سيُعتبر المعرض الرسميّ للعام 2023 ولكلّ الأعوام التالية، بتعاون بين اتحاد الناشرين والدولة من خلال وزارة الثقافة، أيّاً كان الوزير».


سميرة عاصي




نعود معها إلى آذار 2022 الذي شهد على تباين بين اتحاد الناشرين والنادي الثقافي العربي. الأخير أراد إقامة معرض يكون صرخةً وعودةَ الحياة إلى بيروت. «حينها، الناشر اللبناني كان مرتبطاً بمعرض مسقط- أوّل معرض عربي يفتح بابه بعد جائحة «كورونا»- الذي سيوفّر مدخولاً بالعملة الصعبة بعد 3 سنوات من إغلاق رافقتْه أزمة اقتصادية. تناقَشْنا مع النادي الذي أصرّ على الموعد. أجرينا استفتاء أتت نتيجته: اعتذار 150 دار نشر عن المشاركة». هذا الموقف- وحسب عاصي- ربّما ترك ذيولاً امتدّت إلى قرارات النادي هذا العام، «رغم تعاوننا بعدها في معرض كانون الأول 2022. وعملت النقابة لتحقيق مصلحة الناشر على كلّ الصعد. لكنّ الغصة رافقتني: تنظيم المعرض وإمكاناته لم توائم مكانة لبنان كأول بلد عربيّ وشرق أوسطي أقام معرضاً للكتاب. وسنسعى لإعادة هذه المكانة مع المعرض الذي سيُقام في «الفوروم دو بيروت» على مساحة 9000 مترٍ مربّع، مع بدل إيجار يناسب الناشر الذي يتمتّع بحرية المشاركة في المعرضين أو اختيار أحدهما حسب وقته وبرنامجه». نسألها لماذا حدّد الناشرون موعداً متاخماً لمعرض تشرين الثاني؟: «هذا هو الوقت المثاليّ مراعاةً لمواقيت المعارض العربية والدولية التي يرتبط بها الناشر».






معرض بيروت العربيّ الدولي للكتاب (من 23 تشرين الثاني لغاية 3 كانون الأول)


بدورها، تشجب رئيسة النادي الثقافي العربي سلوى السنيورة بعاصيري مقاربات النقاش المنغلقة. «تفكير النادي غير طائفي. نعزل كلّ التبعيات، ونكرّس هوية جامعة شاملة يعبّر عنها عنوان المعرض الذي اخترناه ورافقنا منذ عام 1992: معرض بيروت العربي الدوليّ للكتاب». عن أسباب الفُرقة، تشدّد أنّها لا تريد الدخول في سجال علنيّ. تؤكّد أن مبدأ الشراكة كُسر هذه السنة من قِبل النقابة «التي قررت بلا مفاوضات، إقامةَ معرض منفرد من دون إعلامنا مسبقاً عن الأمر الذي عرفناه كأيّ مواطن عاديّ». تثبّت السنيورة حقّ النادي الأصليّ والأوّلي بإقامة معرض الكتاب. «ننظّمه منذ عام 1956. مذّاك استقبلنا والعاصمة 65 دورة. نستكملُ مهمّتَنا بالموعد المعتاد وفي المكان نفسِه. المسؤولية مشتَرَكة بين النادي والناشرين لإنجاح المعرض. ككلّ مرّة، نتواصل معهم ليحجزوا أماكنهم ومساحاتهم».



سلوى السنيورة بعاصيري





«رغم اعتذار النقابة في آذار 2022 عن المشاركة بالدورة الاستثنائية، أقمنا المعرض لأنّنا أردناه نوراً بعد نفق «كورونا» وانفجار «4 آب»: أوصلنا رسالتَنا عن أهمية المواجهة ومواصلة الحياة». في تلك الدورة الاستثنائية وفي الدورة الحالية، حاول النادي تقديم تسهيلات وتخفيضات في بدل الإيجار في سبيل تعزيز مشاركة دور النشر ومنحها المساحة التي قُلّصَت إلى الرُّبع مع تضرّر مبنى «السي سايد أرينا» (البيال سابقاً) جرّاء انفجار «4 آب»: من 10 آلاف متر مربّع في معرض 2018، صارت المساحة 2500 في معرض كانون الأول2022. «اليوم بلغت المساحة المُرمَّمة 3000». لا تُمانع السنيورة إقامة أكثر من معرض في حال كانت ظروف البلد تسمح. «في النهاية، لكلّ امرئ قراراته، ولكلّ قارئ خياراته. عسى أن يكون الأخير هو الكاسب الأكبر».





في الخلاصة



هذه ليست خلاصة. لا تزال بعض النقاط الشائكة عالقةً بين الجهتين اللتين أبعدتا الانفصال عن الحُفَر السياسية والتقسيمية. بينهما اختلافات تنظيمية ومعرضان بمسافة فاصلة تقلّ عن خمسة كيلومترات ولا تزيد عن الثلاثين يوماً. سنكون أمام مشهد يضفي قيمةً أو يُشتِّتها؟ أمامنا موعدان وقارئ لبناني عاديّ الحال، يخبّئ قرشه الأخضر ليوم معرض الكتاب الأبيض. لكن هل سيكفيه قرشه ليَوْمَين، فيزور المعرضَيْن؟!


MISS 3