جوزيف حبيب

المرأة الإيرانية بين "مقاومة الموت" و"نوبل للسلام"!

9 تشرين الأول 2023

02 : 00

آرميتا كراوند "مُعلّقة" بين الحياة والموت داخل مستشفى "فجر" في طهران (وسائل تواصل)

قد يكون تمرّد المرأة الإيرانية اليومي على نظام الجمهورية الإسلامية وقوانينه الرجعية وأجهزته القمعية وأحكامه الجائرة وحجابه الإلزامي، الذي ازداد زخمه بشكل لافت بعد مقتل «أيقونة الثورة» مهسا أميني على يد «شرطة الأخلاق» في 16 أيلول العام الماضي، هو «أبهى» ما شهدته المنطقة الغارقة في مستنقعات الجهل والتخلّف والفساد والاضطهاد والعنف الجنسي والقتل والمآسي...

غدت المرأة الإيرانية الحرّة رمزاً لمقاومة السلطة الثيوقراطية التي تُريد «سجن» مجتمع بأسره داخل «صندوق عقائدي» مُحكم الإغلاق. وكانت كلفة هذا النضال باهظة للغاية، قمعاً واعتداءً واعتقالاً وقتلاً وتهجيراً. وآخر الضحايا المعروفين لبطش النظام الإيراني، هي المراهقة آرميتا كراوند التي دخلت في غيبوبة بداية هذا الشهر بعد تعرّضها لاعتداء وحشي على يد «نساء الشادور» التابعات لـ»شرطة الأخلاق» في إحدى محطات قطار الأنفاق في طهران.

تُصارع كراوند الموت جرّاء إصابتها الحرجة داخل مستشفى «فجر» في طهران، حيث ترقد تحت «أعين أمنية مفتوحة»، و»جريمتها» أنّها لم تكن تضع الحجاب على رأسها! وهنا يتساءل ناشطو حقوق الإنسان: أيُعقل أن يعتدي جهاز أمني على مراهقة ويدخلها في غيبوبة لأنّها لم تكن تُغطّي رأسها في نهاية الربع الأوّل من القرن الحادي والعشرين؟ الجواب، ويا للأسف، صادم في دول لا تُعير اهتماماً لحقوق الإنسان وحرّياته وكرامته.

وبينما تدفع كراوند فاتورة تحدّيها الظلامية في بلادها، فازت الناشطة نرجس محمدي بجائزة نوبل للسلام مكافأة لها على نضالها «المختوم» بالجلد والسجن لحرّية المرأة الإيرانية وحقّها في العيش بكامل حقوقها وكرامتها. ولسخرية القدر، احتفلت محمدي مع رفيقاتها داخل سجن «إيفين» الذائع الصيت بنيلها الجائزة بفرح عظيم يُبلسم، ولو موَقتاً، جروحاً عميقة لن تندمل إلّا بسقوط النظام الإسلامي، كما تؤكد الثائرات الإيرانيات.

صحيح أنّ الفوز بنوبل للسلام أثار السخط والسخرية مرّات عدّة في الماضي لحصول عدم مستحقّي الجائزة عليها من غير وجه حق لأسباب ذات أبعاد سياسية وديبلوماسية، بيد أنّ محمدي استحقّتها عن جدارة لكفاحها الطويل الذي اعتُقلت خلاله 13 مرّة، ودينت 5 مرّات، وحُكم عليها في المجموع بالسجن 31 عاماً وبالجلد 154 مرّة. وليس جديداً على المرأة الإيرانية حصد نوبل للسلام، فمحمدي هي نائبة رئيس «مركز الدفاع عن حقوق الإنسان في إيران» الذي أسّسته المحامية المناضلة والحائزة نوبل للسلام عام 2003 شيرين عبادي.

الحرّية ليست هبة مجانية أو جائزة ترضية، إنّما هي نضال ثوري في مسيرة العطاء الفكري - النقدي اللامحدود. الحرّية هي عدوّة الأيديولوجيات المعلّبة والعقائد الجامدة. الحرّية هي أن يحيا الإنسان ويعيش بكامل إرادته وليس كما يُريد له الآخرون أن يكون. الحرّية لا تُقاس بالأمتار المربّعة، وبالتالي لا تخنقها سجون الاستبداد، ولا تُسكتها تهديدات الطغاة وقمعهم ولا تقتلها «سهام» الغادرين الحاقدة. وهذه دروس استخلصت محمدي عِبَرها خلف القضبان، فيما تُقاوم كراوند الموت بكلّ ما أوتيت من قوّة، تماماً كما تجرّأت على المواجهة من أجل حرّيتها.

تغيّرت إيران بعد اندلاع ثورة «إمرأة، حياة، حرّية» عام 2022 ولم تعد كما كانت بعد نجاح الثورة الإسلامية عام 1979. وعلى الرغم من إمعان طهران بسحق معارضيها، نساءً وأطفالاً ورجالاً، وملاحقتهم في الخارج، إلّا أنّ «شعلة الثورة» ما زالت متّقدة عند القواعد الشعبية المصمّمة على التغيير الجذري. ولا شكّ في أنّ للنظام أنصاره والمستفيدين منه، لكنّ معارضيه كُثر أيضاً ولا يرون مستقبلاً لهم وللأجيال القادمة سوى بسقوطه ورحيل جميع وجوهه ورموزه. وهذا درب شاق ومحفوف بالمخاطر، وثوّار إيران اعتادوا المشقّات والأخطار... ونَفسَهم طويل كما النظام!


MISS 3