غال بيكرمان

مستشار الأمن القومي في إدارة بايدن كان متفائلاً

جيك سوليفان قبل أسبوع من "طوفان الأقصى":الشرق الأوسط أكثر هدوءاً ممّا كان عليه

9 تشرين الأول 2023

المصدر: The Atlantic

02 : 00

إطلاق صواريخ من قطاع غزة باتجاه إسرائيل

كم يتغيّر الوضع خلال أسبوع واحد!

منذ ثمانية أيام فقط، استعرض مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، أثناء كلامه خلال مهرجان الأطلسي، قائمة طويلة من التطوّرات الإيجابية في الشرق الأوسط، ما يسمح لإدارة جو بايدن بالتركيز على مناطق ومشاكل أخرى. بدت الهدنة في اليمن مستمرّة، وتوقّفت الاعتداءات الإيرانية ضد القوات الأميركية، وأصبح الوجود الأميركي في العراق «مستقرّاً». سرعان ما بلغت الأنباء الإيجابية ذروتها مع التصريح التالي: «منطقة الشرق الأوسط أصبحت اليوم أكثر هدوءاً ممّا كانت عليه منذ عقدَين».

بعد مرور أسبوع على تلك التعليقات، تحوّل الشرق الأوسط مجدداً إلى مستنقع من الاضطرابات غداة إطلاق هجوم صادم ومتعدّد الجبهات من حركة «حماس» المدعومة من إيران ضد إسرائيل. وقع هذا الهجوم بعد خمسين سنة تقريباً على الهجوم العربي المفاجئ الذي أطلق حرب تشرين ضد إسرائيل، وقد تكون هذه اللحظة محورية بقدر هجوم 11 أيلول لدرجة أن تتغيّر المعايير السائدة. حتّى الآن، تأكّد مقتل أكثر من مئة إسرائيلي وأصيب المئات بجروح بالغة خلال اعتداء منسّق أطلقه عناصر «حماس» بعد تسلّلهم برّاً وبحراً وجوّاً. من المتوقّع أن تتلاحق آلاف المآسي الأخرى، وقد أصبح عدد مجهول من المدنيين والجنود الإسرائيليين رهائن في غزة راهناً على الأرجح. حتى كتابة هذه السطور، تفيد التقارير بمقتل مئات الفلسطينيين خلال الغارات الإسرائيلية الانتقامية. استدعى الجيش الإسرائيلي 100 ألف عنصر احتياطي على الأقل، وأصبح غزو غزّة البري الشامل منطقياً.

وراء هذه اللحظة المحورية، تكمن إخفاقات استخبارية واضحة أو فشل في تخيّل السيناريوات. ستضطرّ الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، للإجابة عن أسئلة كثيرة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة، علماً أن نتنياهو كان قد طرح نفسه كـ»سيّد الأمن» طوال عقود. لكنّ تعليقات سوليفان التي ركّز عليها رئيس تحرير صحيفة «ذا أتلانتيك»، جيفري غولدبيرغ، تكشف أيضاً غياب المنطق وسط المسؤولين في فريق بايدن لدرجة ألا يتوقّع أحد ما حصل. قال سوليفان في تعليقاته خلال الأسبوع الماضي: «لا تزال التحديات قائمة، منها برنامج إيران النووي والتوتر المستمرّ بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لكنّ الوقت الذي أخصّصه للأزمات والصراعات في الشرق الأوسط تراجع بشدة اليوم مقارنةً بجميع أسلافي بعد هجوم 11 أيلول».

في الأيام المقبلة، من المتوقّع أن تخضع وجهة نظر سوليفان التفاؤلية لتدقيق شديد. لم تُخْفِ حركة «حماس» وحلفاؤها في إيران و»حزب الله» أهدافهم النهائية يوماً. بعيداً عن الأمنيات غير الواقعية، أدلى سوليفان بتعليقاته التفاؤلية بسبب التوجّه نحو إبرام اتفاق يضمن إقامة علاقات رسمية بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهو اتفاق لن يتابع التطوّر بعد الآن على الأرجح.

كانت إدارة بايدن ونتنياهو جزءاً أساسياً من هذا الاتفاق، وربما أنتجت الرغبة في إبرامه شكلاً من الإغفال الكلّي وسط الإسرائيليين والأميركيين على حد سواء، فلم يعرف أحد حقيقة ما يحصل في غزة. قال يعقوب كاتز، رئيس التحرير السابق لصحيفة «جيروزاليم بوست»، بعد ساعات على بدء الغزو: «لقد حاولنا أن نتظاهر بأن هذا الصراع معزول ومحصور ولا يحتاج إلى انتباهنا».

كذلك، يقول دينيس روس الذي كان مفاوض السلام في الشرق الأوسط في إدارات أميركية متعدّدة: «توحي تعليقات سوليفان بأن خيارات إيران لتخريب الوضع أصبحت محدودة. لا يمكن الإدلاء بهذا النوع من التصريحات إلا إذا كنا مقتنعين بأن خيارات إيران التخريبية باتت محدودة، لكن تكشف أحداث هذه المرحلة أنه تقييم غير صحيح».

من وجهة نظر نتنياهو، قد يسهم أي اتفاق مع السعوديين في إلهاء الجميع عن الاضطرابات المحلية المستمرّة في إسرائيل بسبب الإصلاح القضائي الذي تحاول حكومته الائتلافية اليمينية تطبيقه لكنه أدّى إلى اندلاع احتجاجات واسعة طوال سنة تقريباً. أما بايدن، فهو يعتبر اتفاق السلام أداة لتعزيز سجله في مجال السياسة الخارجية مع اقتراب انتخابات العام 2024، حتى أنه قد يمحو ذكريات الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان.

أنتجت هذه المصالح المتداخلة هدفاً مشتركاً يقضي بمنع التصعيد وترسيخ الهدوء. تتوق الولايات المتحدة من جهتها إلى بذل جهود لا تقتصر على التعامل مع أزمات المنطقة، ويبدو أنها تفاجأت فعلاً بالأحداث الأخيرة. (ذكر بيان صادر عن مجلس الأمن القومي: «لا شيء يبرر الإرهاب في أي ظرف»). لكن يبدو أن البلد لم يأخذ في الاعتبار قدرة إيران على افتعال هذا النوع من الأزمات. وراء اعتداء «حماس»، يمكن رصد حالة من اليأس في طهران التي تريد نسف فرص حصول أي مصافحة بين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان. (احتفلت إيران، الداعمة القديمة لحركة «حماس»، بالاعتداءات الأخيرة).

يقول حسين إبيش، باحث مقيم في معهد دول الخليج العربية: «الهجوم متطرف جداً وغير مألوف لدرجة ألا نتخيّل تقبّل إسرائيل للعودة إلى الوضع السابق في غزة». يعتبر إبيش تغيير طريقة سيطرة إسرائيل على غزة تطوّراً حتمياً في المرحلة المقبلة، وهو سيؤثر طبعاً على المفاوضات مع المملكة العربية السعودية. يحتاج السعوديون إلى تنازل معيّن من الإسرائيليين في الصراع الفلسطيني للمضي قدماً، لكن أصبح هذا الخيار مستبعداً الآن. يضيف إبيش: «باتت جميع الظروف والشروط وسياقات الأحداث غير مؤكدة بأي شكل». لا يظنّ روس أن غزو حركة «حماس» سيُنهي مرحلة تراجع الاضطرابات بالضرورة، بل تتوقف عوامل كثيرة على نتيجة ما يحصل راهناً: «إذا أوحى الوضع في النهاية بأن «حماس» نجحت وإيران انتصرت، فلا مفرّ من أن يصبح الوضع في هذه المنطقة ميؤوساً منه لفترة طويلة. لكن إذا أوحت النتيجة النهائية بأن الحركة بذلت قصارى جهدها وتعرّضت لانتكاسة أو خسرت في نهاية المطاف، فقد تصبح فرص المنطقة أكثر إيجابية».

في الوقت الراهن، يبدو أن إيران بدأت تُحقّق ما تتمنّاه على حساب الشعب في غزة. تخوض إسرائيل الحرب، وهي تستعدّ لإطلاق حملة واسعة ضد «حماس» ردّاً على ما حصل. لا مفرّ من ارتفاع حصيلة القتلى وانتشار مظاهر الدمار. في هذه الحالة، لن تتغير الحقيقة البديهية التي يعرفها الجميع: يبقى التغيّر المتهوّر والجذري العامل الثابت الوحيد في الشرق الأوسط. سبق وأصبح «الهدوء» الذي تكلم عليه سوليفان (إذا وُجِد يوماً ولم يكن جزءاً من الأمنيات المتداولة) مجرّد ذكرى بعيدة.


MISS 3