جاك ديتش

كيف ستتعامل روسيا مع إنتشار الفوضى في غزة؟

11 تشرين الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

منازل مدمرة في أعقاب الغارات الإسرائيلية على مدينة غزة | ٨ تشرين الأوّل ٢٠٢٣

يشعر المسؤولون والخبراء الأوروبيون بالقلق من أن تستغل روسيا الفوضى الناجمة عن هجوم حركة «حماس» ضد إسرائيل، ما يؤدي إلى زيادة التقارب بين الكرملين وإيران المتحالفة أصلاً مع الجماعة الفلسطينية المسلّحة.

لا شيء يثبت حتى الآن أن روسيا قدّمت أي دعم مادي أو كانت على علم مسبق بالهجوم المفاجئ الذي وقع يوم السبت الماضي وأسفر عن مقتل مئات الإسرائيليين على الأقل وخطف آخرين واصطحابهم إلى قطاع غزة، حيث بدأت إسرائيل تطلق ضربات انتقامية وأعلن وزير دفاعها يوآف غالانت، فرض حصار شامل على المنطقة: «لا كهرباء، ولا طعام، ولا وقود. كل شيء مغلق».

تستفيد «حماس» من دعم إيران التي أصبحت حليفة مقرّبة من الكرملين، فقد زوّدت البلد بآلاف الطائرات المسيّرة الانتحارية لتنفيذ الغزو الروسي ضد أوكرانيا. جاء الاعتداء على إسرائيل، التي تبقى من أقرب حلفاء الولايات المتحدة، ليزيد احتمال اندلاع حرب موسعة على جبهتَين في الشرق الأوسط، لكنه يؤثر في الوقت نفسه على مستودعات الأسلحة وقوة الإرادة السياسية في واشنطن وأوروبا. نشأت هذه الأزمة المستجدة فيما يجد الغرب صعوبة في تأمين المزيد من الذخائر والأموال لدعم الهجوم الأوكراني المضاد.

يقول وزير دفاع لاتفيا السابق، أرتيس بابريكس: «قد يهتمّ الروس بتقسيم الغرب وافتعال مشاكل إضافية. يجب أن تحصل هذه التطورات كلها في الوقت نفسه. يأمل الروس طبعاً في أن يقول أحد المسؤولين إن الوضع بالغ الصعوبة».

من المتوقع أن تتحرك روسيا بحذر، نظراً إلى روابطها التاريخية والدبلوماسية القديمة مع إسرائيل. سبق وطوّر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين علاقات وثيقة على مر السنين، فحرص الكرملين على مراعاة مخاوف إسرائيل بشأن الأنفاق التي حفرها حزب الله من لبنان تحت الحدود الإسرائيلية، حتى أن الطرفَين شكّلا فرقة عمل مشتركة لمناقشة كيفية سحب جميع القوات الأجنبية من سوريا.

امتنع الكرملين عن إدانة هجوم «حماس». في المقابل، امتنعت إسرائيل عن إدانة الحرب الروسية ضد أوكرانيا بشكلٍ مباشر، فاتخذت موقفاً حيادياً من إقدام روسيا على ضم شبه جزيرة القرم بطريقة غير شرعية في العام 2014، قبل أن تعود وتدين هذه الخطوة بعد أربع سنوات.

يقيم مئات آلاف المواطنين الروس في إسرائيل، ويجيد حوالى مليون ونصف إسرائيلي اللغة الروسية. سبق ودعمت إسرائيل أوكرانيا دبلوماسياً، لكنها لم تقدّم لها الذخائر مع أن قيمة قطاع صناعة الأسلحة فيها تصل إلى 12 مليار دولار. تأمل روسيا في أن تبقى إسرائيل خارج معمعة تلك الحرب، لكن يقول جوناثان لورد، مسؤول بارز ومدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد (منظمة بحثية مقرها واشنطن): «إذا أصبحت روسيا محاصرة في أوكرانيا، قد تجد إيران الفرصة المناسبة لزيادة مطالبها»، بما في ذلك مطالبة روسيا بأنظمة دفاع جوي أو طائرات مقاتلة متقدمة لإيران وعملائها، حتى أنها قد تطلب المساعدة لسد الثغرات القائمة في برنامجها النووي.

يضيف لورد: «هذا الوضع سيترافق مع تداعيات مباشرة على أمن إسرائيل والمنطقة ككل».

سبق وتعهدت الولايات المتحدة بتكثيف دعمها لإسرائيل، لكن لم يكن الرد الأوروبي واضحاً وسريعاً بالقدر نفسه. من المنتظر أن تعقد الدول الأوروبية اجتماعات داخلية لمناقشة احتمال تقديم مساعدات عسكرية إلى إسرائيل، لكن يخشى عدد كبير من المسؤولين أن تكون حكوماتهم قد استنزفت مواردها المالية بسبب حرب أوكرانيا. يقول مسؤول ألماني طلب عدم الإفصاح عن هويته لأن منصبه لا يسمح له بالتواصل مع وسائل الإعلام: «نحن نواجه نقصاً هائلاً في الذخائر بسبب حرب أوكرانيا».

يأمل المسؤولون الأوروبيون في أن يتحول إعلان الحرب من الجانب الإسرائيلي إلى جرس إنذار للقارة الأوروبية بشأن التهديدات الإرهابية المنبثقة من الأراضي الفلسطينية، بعدما تراجع الاهتمام بهذا الملف وزادت أوروبا تركيزها على تقديم المساعدات ومكافحة الإرهاب في أفريقيا. يقول دبلوماسي أوروبي آخر رفض الإفصاح عن هويته: «أتمنى أن يتخلى الاتحاد الأوروبي عن أية أوهام مرتبطة بفلسطين والقوى الحاكمة هناك». عبّر هذا الدبلوماسي أيضاً عن قلقه من الرابط الذي يجمع طهران وروسيا.

يتوقع بابريكس، وزير دفاع لاتفيا السابق، أن تساعد الحكومات الأوروبية إسرائيل على تقييم الإخفاقات الاستخبارية المحلية التي سبقت اعتداء «حماس» وأن تُحدد البلدان التي شاركت في دعم هذه الجماعة المسلّحة. ذكرت صحيفة «وول ستريت جورنال» يوم الأحد الماضي أن إيران ساعدت «حماس» على التحضير للهجوم وأعطت الضوء الأخضر لتنفيذ الاعتداء منذ أسبوع. تجدر الإشارة إلى أن مهارات إيران في القتال الميداني التقليدي تحسّنت بدرجة ملحوظة خلال العقد الماضي.

وصرّح مايكل دوران من «معهد هادسون» لصحيفة «فورين بوليسي» بأن وحدة خاصة من الحرس الثوري الإيراني، الذي شارك في تجنيد عملاء جاهزين لخوض المعارك لصالح طهران في أنحاء الشرق الأوسط، ساعدت حركة «حماس» على تحسين مهاراتها التكتيكية. تمكنت «حماس» من اختراق سياج غزة واجتياح البلدات الإسرائيلية عبر استعمال الطائرات الشراعية وصواريخ منزلية الصنع ضد واحد من أكثر الجيوش تقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم.

يوم الإثنين، أعلنت النمسا أنها تتجه إلى تعليق جميع مساعداتها للفلسطينيين (تصل قيمتها إلى 20 مليون دولار تقريباً) رداً على هجوم «حماس». ثم حذت ألمانيا والاتحاد الأوروبي حذوها وقررا تعليق مساعداتهما. لكن رغم عرض العلم الإسرائيلي في قصر باكنغهام في لندن وعلى بوابة براندنبورغ في برلين في عطلة نهاية الأسبوع، يشعر الخبراء بالقلق من تلاشي الدعم لإسرائيل التي تواجه أسئلة متواصلة حول انتهاكاتها لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية.

يقول دوران: «يجب أن يدعموا إسرائيل سياسياً حين يزداد الوضع تعقيداً. هذه العملية في غزة تتطلب بعض الوقت، وستحاول حركة «حماس» تصعيد الضغوط على الطرف الآخر. من المتوقع أن تُنظَّم تجمّعات داعمة لفلسطين في العواصم الأوروبية وتنتشر فيديوهات من غزة حيث يظهر الرهائن الأوروبيون وهم يتوسلون للعودة إلى ديارهم شرط أن توقف إسرائيل عملياتها العسكرية. تُعبّر أوروبا عن تضامنها مع إسرائيل اليوم، لكن ما سيكون موقفها بعد ثلاثة أسابيع؟».

يجب أن تبقي إسرائيل أسلحتها معبّأة بالذخيرة على الخطوط الأمامية استعداداً للغزو البري المقبل، لكنها تحتاج أيضاً إلى مخزون من الذخائر دقيقة التوجيه لمحاولة طرد «حماس» من غزة، فيما تتعامل مع مخاطر التعرّض لنيران صديقة، فقد أصبح مواطنون إسرائيليون وأجانب رهائن في واحدة من المناطق الأكثر كثافة بالسكان في العالم.

في ظل غياب رئيس لمجلس النواب الأميركي لإرسال أسلحة إضافية إلى إسرائيل عن طريق الكونغرس، غداة إقالة النائب كيفن مكارثي في الأسبوع الماضي، ترسل الولايات المتحدة المساعدات التي تستطيع تأمينها الآن من البيت الأبيض. ذكرت صحيفة «واشنطن بوست» يوم الأحد أن إسرائيل طالبت بتلقي المزيد من أجهزة اعتراض الصواريخ لصالح نظام «القبة الحديدية» الدفاعي، فضلاً عن الذخائر والقنابل صغيرة القطر، وتوثيق التعاون الاستخباري قبيل الغزو البري المحتمل لغزة.

سبق ووافقت الولايات المتحدة على أن تستعمل إسرائيل المخزونات الجاهزة من الذخائر الأميركية دقيقة التوجيه في المنطقة، وقد أعلنت يوم الأحد أنها تتجه إلى إرسال حاملة الطائرات «يو إس إس جيرالد آر فورد»، وأربع مدمرات صواريخ موجّهة، وطرّاد للصواريخ الموجهة، إلى شرق البحر الأبيض المتوسط. من المنتظر أيضاً أن تنشر وزارة الدفاع الأميركية أساطيل من طائرات الهجوم الأرضي «ف-35»، و»ف-15»، و»ف-16»، و»أ-10».

في دول حلف الناتو، يعتبر أبرز حلفاء واشنطن الحرب في إسرائيل أكبر اختبار لقلة الكفاءة والعجز عن التعامل مع مشاكل متزامنة، إذ يضاف هذا التحدي إلى المساعي المتواصلة لدعم الدفاع الأوكراني. حتى أن هذا التطور يشكّل اختباراً للتحالف الجديد بين روسيا وإيران.

في النهاية، يقول الجنرال المتقاعد في الجيش الأميركي، بن هودجز، الذي قاد القوات الأميركية في أوروبا: «أصبح الروس حلفاء لإيران، حتى أنهم من أقرب حلفائها على الأرجح، وهم يتبادلون المساعدة لتسهيل اعتداء «حماس» على إسرائيل».


MISS 3