ريتا ابراهيم فريد

المعالِجة النفسية ديالا عيتاني: تحدّثوا عن مشاكلكم ولا تستسلموا للظروف

11 تشرين الأول 2023

02 : 05

الحزن، القلق، الأفكار السوداء، المشاعر السلبية، من شأنها أن تشكّل عبئاً على حياة الإنسان، وقد تكون مسبّباً لاضطرابات نفسية قد تصل حدّ الإكتئاب أو الأفكار الإنتحارية. كما أنّها معرقل أساسيّ يحدّ من طاقة الفرد ويمنعه من أن يعيش حياة طبيعية وآمنة. في اليوم العالمي للصحة النفسية الذي يحتفل به العالم في 10 تشرين الأول من كل عام، تواصلت «نداء الوطن» مع المعالجة النفسية والأستاذة الجامعية ديالا عيتاني، التي شدّدت على أهمية طلب المساعدة من اختصاصي نفسي، مشيرة إلى بعض النصائح التي تساعد الشباب على الإهتمام بصحّتهم النفسية وسط هذه الظروف الصعبة.

ما سبب ارتفاع منسوب الاهتمام بالصحة النفسية وتسليط الضوء على مواضيعها في الفترة الأخيرة؟

أولاً لأنّ الأبحاث والدراسات أظهرت مدى ارتباط الصحة النفسية بالصحة الجسدية، كما أنّ الطبّ لاحظ ظهور أمراض ناتجة عن اضطرابات نفسية وأفكار تشاؤمية. من جهة أخرى، الإعلام بات يلعب دوراً أكبر في زيادة نسبة الوعي ونشر المعلومات، خصوصاً بالتزامن مع الدور السلبي الذي تلعبه مواقع التواصل الإجتماعي أحياناً في هذا الإطار. كما أنّ مسائل الصحة النفسية لم تعد تعتبر من المحرمات كما في السابق، وبات الحديث ضرورياً عن الإنتحار وعن مشاكل الصحة النفسية. ولا شكّ أيضاً في أنّ الاضطرابات النفسية ازدادت في الفترة الأخيرة، بسبب الأزمات الإقتصادية، التغيّرات التي نتجت عن انتشار وباء «كورونا»، والتغيّرات بشكلٍ عام في العالم الذي بات منفتحاً أكثر بالتزامن مع تدهور بعض القيم. ومع ظهور هذه المشاكل الى العلن، ظهرت معها الحاجة الى التوعية السليمة التي ترتكز على أسس علمية.

كيف يمكن أن نربط بين محاولة التخلص من المشاعر السلبية، وبين الخطوة الأولى نحو التحرّر؟

قبل كل شيء، علينا أن نميّز بين الأمور التي يمكننا معالجتها والتحكّم بها، وبين الواقع الذي لا يمكننا السيطرة عليه. فاليوم نلاحظ مشاكل كثيرة لدى البعض الذين إما يرغبون بالسيطرة على المستقبل وتغييره، إما بسبب ندمهم على أحداث حصلت معهم في الماضي. بالتالي، ارتفعت نسبة القلق والإكتئاب بسبب ازدياد التفكير والتحسّر على الماضي وإلقاء اللوم والعتب، بحيث بات الإنسان يعيش في دوّامة من القلق بين الماضي والمستقبل. كما ازداد ظهور اضطراب الوسواس القهري، لأن البعض بات يركز على مشكلة وحيدة ويفكّر فيها طوال الوقت. لذلك نعمل على تعزيز الوعي الذاتي والوعي على الحاضر، مع ضرورة تطوير الذات والتركيز على ما يمكن للإنسان تحسينه في داخله، بدلاً من انتظار التغيير من الخارج.





لا شكّ في أن المشاكل المجتمعية تنعكس على الصحة النفسية للفرد. لكن في المقابل، كيف يمكن للأفراد الذين يهتمون بصحتهم النفسية أن يحدثوا فرقاً في مجتمعهم مهما كانت ضائقته كبيرة؟





حين يشعر المواطن بأنّ الوضع أمامه ضبابيّ بسبب الضغوطات اليومية والتغيّرات المفاجئة، قد يبدأ بفقدان الأمل والطموح ويحاول أن يهرب من واقعه. والبعض يتأثر سلوكه بشكل سلبي ويبقى في حالة توتّر دائم. لكن، هناك أمور يومية بسيطة من شأنها تخفيف هذا العبء وإضفاء لمسة من السلام الداخلي. وقد أثبتت الدراسات أنّ مساعدة الفرد للآخرين تعطيه شعوراً بالطمأنينة وتمنحه ثقةً بنفسه وبقيمته المجتمعية. وكلّ بحسب مجاله يمكنه أن يساهم في تقديم المساعدة ولو بنسبة بسيطة. يُنصح أيضاً بالتركيز على الظروف الإيجابية داخل العائلة. اليوم في ظلّ التفكّك الأسري والعلاقات السامة، من المفيد إعادة تفعيل علاقات عميقة داخل الأسرة، بحيث يمضي أفرادها أوقاتاً سعيدة معاً ويشعرون بالامتنان لذلك. من المهمّ أيضاً البحث عن هدف والسعي للوصول إليه. الى جانب محاولة تطوير العمل، وتفعيل بعض العادات اليومية مثل ممارسة تمارين رياضية أو السير في الطبيعة.

ماذا تقولين للأشخاص الذين يخجلون من طلب المساعدة أو من زيارة معالج نفسي؟

للأسف البعض اليوم يصل الى حدّ الإستهزاء بالصحة النفسية. وللأسف أيضاً، هناك بعض العبارات على مثال «شدّ حالك، ما بدها هالقد، شوف مصيبة غيرك...» التي تقال لمن يعبّر عن مشاعره أو حزنه. حان الوقت كي يكون الإهتمام بالصحة النفسية مرادفاً للاهتمام بالصحة الجسدية. خصوصاً أنّ الإكتئاب قد يؤدي الى أمراض عضوية مزمنة، ويبعد الإنسان عن ممارسة حياته اليومية بشكلٍ طبيعي. علينا أن نتخّذ القرار بأن نحب أنفسنا ونهتمّ بها. من حق الجميع أن يشعر بالتعب وأن يطلب المساعدة بحثاً عن نمط حياة أفضل وسعادة أكبر.

هل من رسالة منك للشباب اللبناني الذي يعاني من ضربات متتالية خلال السنوات الأخيرة؟

الوضع صعب جداً بلا شكّ. وللشباب اللبناني أقول: لديكم كل الحق بأن تشعروا بالتوتّر. لكنّكم في المقابل قادرون على التغيير عبر أمور بسيطة، ومن خلال محاولة العثور على هدف ومعنى لوجودكم. لا تستسلموا للظروف ولا تسمحوا لها بأن تحطّمكم. أطلبوا المساعدة من المعالج النفسي وتحدّثوا عن مشاكلكم. الجميع يمكنه أن يعثر على هدف يعيد إليه ثقته بنفسه، ويخطو الخطوة الأولى نحو الأمل وبناء حياة جديدة.


MISS 3