نبيل منوال يونس

مساحة حرة

إلغاء العملة الـوطنية

12 تشرين الأول 2023

02 : 00

تصدر البلدان عملة وطنية لكونها تعبيراً عن السيادة من جهة، ومن جهة اخرى لكونها أداة لممارسة سياسـة نقدية بغاية التأثير على الاقتصاد الوطني وتثبيته بواسطة التحكـم بحجـم الكتلة النقدية وبنسبة الفوائد. إن إصدار العملة وإدارتها هو مؤسسة لها آلياتها ويستلزم اعتماد إجـراءآت نقدية تتناسـق مـع السياسة الاقتصادية، إن لجهـة تشجيع الإستثمـار أو تسريع أم إبطاء الدورة الإقتصادية عامة أو أعطاء أولوية لبعض القطاعات أو المناطق وغيرها من الإعتبارات كحجم الجباية الضريبية والإنفاق العـام. غير أن حوالى خمسين دولــة، في الوقت الحاضر، ليس لديها عمله وطنية، إذ أنهــا تعتمد إما الدولار الاميركي وإما اليورو وإما عملـة أحـد الإتحادات النقدية تكون فيه عضواً. واليوم تحاول الدولة في لبنان، بفعل الاستمرارية السلبية، المحافظة على الليرة اللبنانية كعملة وطنية على الرغم من توفر أسباب عديدة للاستغناء عنها، وعلى الرغم من انتفاء أي مبرر للابقاء عليها لأسباب عدة: أولها استحالة استقرار سعـر صرفهـا، وبالتالي استحالـة وضع موازنة الدولة والموازنات والميزانيات في الحقل الخاص بعملة متغيرة القيمة. وبالتالي استحالة تثبيـت الرواتب والأجـور. وثـانيهــا كلفـة طبع العملــة وإدارتها. وثالثهــا كلفــة وعدم جدوى محاولة تثبيت سعر الصرف والمحافظـة على قوتهـا الشرائيــة.

أن وضع لبنان اليوم الإقتصـادي والسياسـي، لا يمكِّنـُه من الاستمرار بتمويل الدعم المعنوي للسيادة. إذ أن الأولوية في خضم الأزمات الاقتصادية والنقدية، التي تتفاقم يوماً بعد يوم بتأثير الأزمة السياسية وأزمة النظام، هي الأمور المعيشية وإنقاذ ما أمكن إنقاذه من الاقتصاد. وبهذا الصدد سبق أن انفق مصرف لبنان 27 مليار دولار منذ بدء ثورة 17 تشرين 2019 لدعم سعر صرف الليرة اللبنانية بشكل اصطناعــي ببيع الدولارات وبتمويل الفوائد الباهظة بدون أي جدوى، إذ أن انهيـارات الليرة في ما بعد حصلت بعدة ساعات إضافة إلى 45 مليار دولار قروضاً تم تسديدها على سعر صرف 1,507.5 للدولار الواحد. هذا بالاضافة الى ان اصدار العملة وإدارتها يكلف مبالغ ضخمة.

أدت الأزمة الإقتصادية والمالية العميقة والقيود المفروضة على العملة الأجنبية في القطاع المصرفي إلى ظهور سعر صرف غير رسمي للدولار الأميركي في سوق الصرف الموازي. لقد تناول معيار المحاسبة الدولي رقم 21 آثار التغيرات في أسعار صرف العملة الأجنبية. وعرّف العملة الوظيفية بأنها هي عملة البيئة الاقتصادية الرئيسية التي تعمل فيها المنشأة. عند تحديد العملة الوظيفية يؤخذ في الحسبان العملة التي تؤثر بشكل رئيسي على أسعار شراء وبيع البضائع والخدمات والتكاليف المادية والتكاليف الأخرى لتزويد البضائع أو الخدمات وهي حالياً الدولار الأميركي.

فإزاء انعدام فائدة الإبقاء على العملة الوطنية، لا بل تفادياً للأضرار الإضافيـة التي ستنتج عن الابقاء عليها يقتضي الاستغناء عنها، لا سيما وان التخبط بإدارة أزمة العملة الوطنية وتقلب سعر صرفها اساءا الى الاقتصاد اللبناني أكثر مما أساء إليه فقدان الأموال وخسارة الودائع والعجز في الموازنة . ذلك بالإضافة الى أنه لم يعد بمقدور الدولة تحمل كلفة طبع وإصدار العملة وتمويل الفوائد لحماية العملة.

لذلك، يقتضي، لبدء عملية الاصلاح الاقتصادي، التخلي عن العملة الوطنية والغائها ولو تدريجياً. والبدء بالجباية الضريبية والإنفاق (لاسيما الرواتب والاجور) والتسعير بالعملة الاجنبية ليكون ذلك مدخلاً لبناء اقتصاد على عملة (او عملات) مستقرة نسبياً اذ انه يستحيل التخطيط لبناء وتنشيط اقتصاد على عملة متقلبة ومتغيرة تعجز الحكومة عن ادارتها.
 

MISS 3