أنشال فوهرا

هل يمكن تدمير حركة "حماس"؟

12 تشرين الأول 2023

المصدر: Foreign Policy

02 : 00

عناصر من حركة «حماس» | غزة، 31 كانون الثاني 2016

صرّح حاييم ريجيف، سفير إسرائيل لدى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، لصحيفة «فورين بوليسي» من مكتبه في بروكسل: «لا يمكن مقارنة هجومهم إلا بعمليات داعش». كان يشير في كلامه إلى مقتل المئات وخطف العشرات، منهم نساء وأولاد وكبار في السن، بعدما أقدم مقاتلون فلسطينيون مسلّحون على التسلّل إلى جنوب إسرائيل في صباح يوم السبت الماضي. برأيه، يجب أن يضغط العالم على «حماس» لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين من دون قيد أو شرط.



تعهّد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من جهته الردّ بأقسى الطرق، فاستدعى 300 ألف عنصر احتياطي وألمح إلى تنفيذ توغّل برّي وشيك. دعا نتنياهو سكّان غزة في المناطق التي تسيطر عليها «حماس» إلى مغادرة المكان، وتجمّعت في الوقت نفسه القوات الإسرائيلية المسلّحة على الحدود مع غزّة استعداداً للعملية المرتقبة. استناداً إلى التصريحات القويّة التي أدلى بها المسؤولون الإسرائيليون، تقضي المهمّة المقبلة ظاهرياً بقطع رأس «حماس» ووضع حدّ للتهديد الذي تطرحه على إسرائيل بشكلٍ نهائي.

لكن لم يتّضح بعد معنى هذا الهدف عملياً. هل تسمح الظروف لإسرائيل بالتخلّص من «حماس»؟ وهل سيكون إجبار قادة الحركة على مغادرة غزة كافياً؟ أو هل سيكون قتلهم ضرورياً؟ أم أنّ حركة «حماس» أصبحت جزءاً ثابتاً من السياسة الفلسطينية ما دام المعنيون لم يتوصّلوا بعد إلى حل دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟

قد لا يعترف نتنياهو بهذا الواقع، لكنّه يدرك على الأرجح أن «حماس» تملك حبل نجاة بفضل الرهائن الإسرائيليين المحتجزين. وما دام المواطنون الإسرائيليون رهائن بيد «حماس»، فسيتعرّض نتنياهو للضغوط كي يوافق على التفاوض لإطلاق سراحهم في نهاية المطاف. ففي العام 2011، أطلقت الحكومة الإسرائيلية سراح أكثر من ألف معتقل فلسطيني مقابل جندي إسرائيلي واحد، وهو جلعاد شاليط الذي احتجزه المقاتلون الفلسطينيون بعد دخول إسرائيل عبر نفق.

في مقابلة مع قناة «الجزيرة»، قال قيادي بارز في «حماس» إن الحركة ألقت القبض على عدد كافٍ من الإسرائيليين لمحاولة تحرير جميع الفلسطينيين الموجودين في السجون الإسرائيلية. يقول صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»: «ما نملكه في أيدينا كفيل بإطلاق سراح جميع سجنائنا». وأشارت القنوات العربية إلى وجود أكثر من 5 آلاف فلسطيني في السجون الإسرائيلية، بما في ذلك 33 امرأة و170 كبيراً في السن وفق معطيات جمعية «الضمير»، منظمة غير حكومية تُعنى بحقوق السجناء.

ذكر تقرير نشرته للمرة الأولى وكالة الأنباء الصينية الرسمية «شينخوا» أن قطر تؤدي دور الوساطة لإبرام اتفاق بين إسرائيل و»حماس» لإطلاق سراح نساء إسرائيليات مقابل تحرير سجينات فلسطينيات. أخبر مصدر مجهول وكالة «شينخوا» بأن قطر تسعى إلى عقد اتفاق عاجل بدعمٍ من الولايات المتحدة. لكن ما من موقف رسمي عن ذلك الاتفاق حتى الآن. في الوقت الراهن، يعمد جيش الدفاع الإسرائيلي إلى تكثيف الضغوط الإسرائيلية عبر اعتقال قيادي بارز في «حماس»: إنه محمد أبو غالي، نائب قائد الفرقة الجنوبية في القوة البحرية التابعة للحركة. هم يزيدون الضغط أيضاً على قادة «حماس» عبر الحدّ من إمدادات الأغذية والوقود والكهرباء في غزة.

تضع إسرائيل إنقاذ الرهائن الإسرائيليين على رأس أولوياتها، لكنه جزء بسيط من الأسباب التي تمنع إسرائيل من تنفيذ توغّل برّي شامل لطالما كانت تفكر به وتمتنع عن تنفيذه. اقتنع جهاز الأمن الإسرائيلي منذ فترة طويلة بأن قطع رأس «حماس» لا يمكن تحقيقه عبر عملية عسكرية عابرة وقصيرة الأمد، وتطرح أي حملة واسعة مجموعة من التحديات على السلطات الإسرائيلية. لم تكن صدفة أن تقرر إسرائيل بشكلٍ أحادي الجانب إخلاء القطاع في العام 2005، بعد عقود من احتلال تلك الأرض في العام 1967.

لكن تتصاعد الضغوط على إسرائيل كي تنتقم من «حماس» وتُحقق انتصاراً استراتيجياً كبيراً. صرّح العقيد المتقاعد إيران ليرمان، نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي السابق، لصحيفة «فورين بوليسي»: «تعرّض المدنيون الإسرائيليون للذبح. لا يمكننا أن نعيش في ظل هذا التهديد الدائم بالتعرّض للإبادة». منذ سنتين، خلال مواجهة سابقة بين جيش الدفاع الإسرائيلي و»حماس»، أيّد ليرمان إطلاق ردّ أكثر حذراً فقال: «يجب أن تتدمّر قدرات «حماس»، لكن ليس بشكلٍ كامل. هكذا كان هدفنا. تطرح إيران وحزب الله أكبر التهديدات، ويجب أن نتابع التركيز عليهما».

حتى أن الإسرائيليين الليبراليين نسبياً وداعمي السلام بدأوا يغيّرون وجهات نظرهم بعد هجوم «حماس» الأخير. كان حجم الاعتداء ووحشيته صادمَين لإسرائيل، وقد وحّد هذا الحدث مختلف الأفرقاء السياسيين المتناحرين، إذ يسعى الكثيرون الآن إلى إيجاد حل دائم لمشكلة «حماس». برأي شريحة واسعة منهم، يعني ذلك استئصال الحركة بالكامل من ملاذها الآمن في غزة. يقول ليرمان إن إسرائيل لم تعد تستطيع السماح لحماس بمتابعة نشاطاتها في غزة، لا سيّما بعد شنّ هذا «الهجوم القاتل» ضد سكان إسرائيل. يظنّ السفير ريجيف بدوره أن إسرائيل «لا تستطيع تحمّل» هذا النوع من الاعتداءات.

لكن يتطلّب أي توغل برّي يهدف إلى إضعاف «حماس» نهائياً دخول القطاع وإعادة احتلاله. تواجه إسرائيل إذاً معضلة حقيقية. من دون نشر العناصر ميدانياً، لا يمكن ردع «حماس». لكن لا يعني الانتشار الميداني بكل بساطة إنفاق مبالغ طائلة من الأموال لتحمّل مسؤولية الفلسطينيين بعد الصراع، بل خسارة حياة عدد كبير من الناس في المعسكرَين.

كما حصل في الماضي، تستطيع إسرائيل أن تقصف المباني وبنى تحتية أخرى تستعملها «حماس» في غزة، بما في ذلك شبكة الأنفاق تحت الأرض. لكن تثبت أحداث هذا الأسبوع أن تلك التدابير لن تكون كافية لمنع «حماس» من متابعة نشاطاتها في إسرائيل. لتحديد القدرات الخفية وتدميرها والقضاء على قيادة الحركة، يجب أن يتوغل جيش الدفاع الإسرائيلي إلى داخل غزة، بدعمٍ من الاستخبارات والقوات الجوية، ويقضي على كل حي ومنزل في ذلك القطاع المزدحم. ستكون الكلفة الإنسانية لهذه العملية وحدها كافية لردع إسرائيل.

على صعيد آخر، قد يتلاشى التعاطف الذي حصدته إسرائيل هذا الأسبوع، رغم اعتبارها المعتدية في هذا الصراع والجهة التي تتردّد في تقديم التنازلات وإرساء السلام في معظم الحالات، إذا لم يجد سكان غزة مكاناً يذهبون إليه وماتوا جماعياً من جرّاء القصف الإسرائيلي. كذلك، قد يؤدي أي صراع مسلّح يهدد حياة مليونَي شخص داخل الأراضي الفلسطينية إلى اندلاع صراع أوسع مع إيران و»حزب الله» الذي استجاب أصلاً لدعوات «حماس» وأطلق بعض الاعتداءات ضد إسرائيل هذا الأسبوع. حتى أن ذلك الصراع قد يؤجج عواطف الشارع العربي الخامد، فيضطر أصدقاء إسرائيل الجدد في العالم الإسلامي للوقوف إلى جانب إخوتهم المسلمين ضد الإسرائيليين.

انطلقت تظاهرات في البحرين، والمغرب، وتركيا، واليمن، وتونس، والكويت، وقُتِل سائحان إسرائيليان في مصر. صرّح عبد المجيد عبد الله حسن، الذي انضمّ إلى تجمّع شارك فيه مئات الناس في البحرين، لصحيفة «نيويورك تايمز»: «إنها المرة الأولى التي نبتهج فيها بهذه الطريقة من أجل إخوتنا الفلسطينيين». هو يقول إن عملية «حماس» جاءت «لتدفئ قلوبنا» في ظل الاحتلال والحصار الإسرائيلي، كما أنه يعتبر مشاركة حكومته في اتفاقيات أبراهام «مخجلة».

قد يكون التوغل البرّي المحدود جزءاً من الحلول. يستطيع الإسرائيليون أن يدخلوا إلى القطاع سريعاً ويدمّروا المخازن والمصانع التي تُصنَع فيها صواريخ كبيرة ومتوسطة. لكن لمنع «حماس» من تصنيع الأسلحة مستقبلاً، يجب أن يبقى جيش الدفاع الإسرائيلي في غزة. تملك «حماس» الوقت الكافي وقد أثبتت مجدداً أنها قادرة على التكيف مع المستجدّات وتصنيع الصواريخ في ورش عمل محلية بمنتجات يومية بسيطة. هي تجمع مثلاً صواريخ «القسام» بطريقة بسيطة لكن فاعلة عبر استعمال أنابيب معدنية صناعية ووقود منزلي من سماد نترات البوتاسيوم والمتفجّرات التجارية.

يُفترض ألا يتفاجأ أحد بما يحصل، إذ لطالما كان الوضع كذلك. إذا لم يتمركز جيش الدفاع الإسرائيلي داخل غزة بشكلٍ دائم، لا تستطيع إسرائيل أن تكبح تهديدات «حماس» بالشكل المطلوب. في العام 2021، حين كنتُ أجري الأبحاث عن قدرات «حماس»، قال لي مايكل أرمسترونغ، أستاذ مساعِد في قسم أبحاث العمليات في جامعة «بروك» في كندا، كان قد كتب عن أداء الأسلحة التي تصنعها «حماس» في العمليات، ما يلي: «ما لم يرغب الإسرائيليون في البقاء في غزة واحتلالها، يصعب أن نتخيّل طريقة لنزع سلاح «حماس».

في غضون ذلك، يتطلب استهداف عناصر «حماس» داخل غزة، حيث يدعم الكثيرون الحركة، لا سيّما في هذا النوع من الظروف، استخبارات بالغة الدقة لكنها ليست متاحة على الأرجح بقدر ما يوحي به الموساد.

حصر ريجيف نوايا إسرائيل تجاه «حماس» في مقابلته مع «فورين بوليسي»، فتكلم عن تدمير قدراتها بكل بساطة بدل احتلال غزة.

لكن يسهل أن نفترض في الوقت نفسه أن إسرائيل لا تراوغ هذه المرة. حتى لو تحرر الرهائن بموجب صفقة لتبادل الأسرى، تواجه قيادة «حماس» تهديداً غير مسبوق. يتواجد جزء من قادتها أصلاً في لبنان وقطر، وسبق وأطلقت الحركة نشاطاتها من تركيا أيضاً. ربما يخطط عدد إضافي من عناصرها الآن لإيجاد مخرج معيّن في ظل تكثيف الهجوم الإسرائيلي المضاد.


MISS 3